فى القدر، وفى القول بالمنزلة بين المنزلتين، ومجادلته للحسن البصرى فى ذلك، واعتزاله مجلسه، ومن ذلك الوقت ظهرت فرقة المعتزلة.
ثم كان من أصحاب الديانات المختلفة كاليهودية، والنصرانية، والمجوسية، والصابئة.. إلى آخر مَن تزيا بزى الإسلام وأبطن الكيد له، حنيناً إلى مِلَّتهم الأولى، كعبد الله بن سبأ اليهودى، فأوضعوا خلال المسلمين يبغونهم الفتنة، ويرجون لهم الفُرْقة، فأفلحوا فيما قصدوا إليه من تحزب المسلمين وتفرقهم.
وفى خلال ذلك غلا بعض الطوائف التى ولدها الخلاف، فابتدعوا أقوالاً خرجت بهم عن دائرة الإسلام كالقائلين بالحلول والتناسخ من السبئية، وكالباطنية الذين لا يُعدون من فرق الإسلام، وإنما هم فى الحقيقة على دين المجوس.
لم يزل الخلاف يتشعب، والآراء تتفرق، حتى تفرَّق أهل الإسلام وأرباب المقالات، إلى ثلاث وسبعين فِرقة كما قال صاحب المواقف، وكما عَدَّهم وبينَّهم الإمام الكبير، أبو المظفر الإسفرايينى، فى كتابه "التبصير فى الدين"، وليس هذا موضع ذكرها واستقصائها.
والذى اشتهر من هذه الفِرَق خمس: أهل السُّنَّة، والمعتزلة، والمرجئة، والشيعة، والخوارج، وما وراء ذلك من الفرق كالجبرية، والباطنية، والمشبهة، وغيرها، فمعظمها مشتق من هذه الفِرَق الخمس الرئيسية.
نحن نعلم هذا التفرق الذى أصاب المسلمين فى وحدتهم الدينية والسياسية، ونعلم أيضاً، أن الناس كانوا فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم وبعده يقرأون القرآن أو يسمعونه فيغنون بتفهم روحه، فإن عنى علماؤهم بشئ وراء ذلك، فما يوضح الآية من سبب للنزول، واستشهاد بأبيات من أشعار العرب تُفسِّر لفظاً عربياً، أو أسلوباً غامضاً. ولكنَّا لا نعلم فى هذا العصر الأول، انحياز الصحابة إلى مذاهب دينية وآراء فى الملل والنحل، فلما وقع هذا التفرق الذى أشرنا إليه وأجملنا مبدأه وتطوره، رأينا كل فِرْقة من هذه الفِرَق تنظر إلى القرآن من خلال عقيدتها، وتُفسِّره بما يتلاءم مع مذهبها، فالمعتزلى يطبق القرآن على مذهبه فى الاختيار، والصفات، والتحسين والتقبيح العقليين.. ويُؤَوِّل ما لا يتفق ومذهبه، وكذلك يفعل الشيعى، وكذلك يفعل كل صاحب مذهب حتى يسلم له مذهبه.
غير أننا لم نحط علماً بكل هذه النظرات المذهبية فى القرآن، ولم يقع تحت أيدينا من كتب التفسير المذهبية إلا القليل النادر بالنسبة لما حُرمت منه المكتبة الإسلامية، على أن هذا القليل ليس إلا لبعض الفِرق دون بعض، وهناك تفسيرات وتأويلات