للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا مغمز من ورائها يحلق الدين، ولهذا اكتفى الزمخشرى بما ذكر فى حكمه عليهما.

وفى سورة "ص" عند تفسيره لقوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخصم إِذْ تَسَوَّرُواْ المحراب} .. الآيات [٢١] وما بعدها إلى آخر القصة نراه يقول: "كان أهل زمان داود عليه السلام يسأل بعضهم بعضاً أن ينزل له عن امرأته فيتزوجها إذا أعجبته، وكانت لهم عادة فى المواساة بذلك قد اعتادوها - وقد روينا أن الأنصار كانوا يُواسون المهاجرين بمثل ذلك - فاتفق أن عين داود وقعت على امرأة رجل يقال له "أوريا" فأحبها، فسأله النزول له عنها، فاستحيا أن يرده، ففعل، فتزوجها - وهى أم سليمان - فقيل له: إنك مع عظيم منزلتك، وارتفاع مرتبتك وكبر شأنك، وكثرة نسائك، لم يكن ينبغى لك أن تسأل رجلاً ليس له إلا امرأَة واحدة النزول عنها، بل كان الواجب عليك مغالبة هواك، وقهر نفسك، والصبر على ما امتُحنتَ به. وقيل: خطبها "أوريا" ثم خطبها داود فآثره أهلها، فكان ذنبه أن خطب على خِطبة أخيه المؤمن مع كثرة نسائه.

وأما ما يُذكر أن داود عليه السلام، تمنَّى منزلة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فقال: يا رب، إن آبائى قد ذهبوا بالخير كله، فأوحى إليه أنهم ابتلوا ببلايا فصبروا عليها، قد ابتُلِىَ إبراهيم بنمروذ وذبح ولده، وإسحاق بذبحه وذهاب بصره، ويعقوب بالحزن على يوسف، فسأل الابتلاء، فأوحى الله إليه: إنك لمبتلىً فى يوم كذا وكذا فاحترس، فلما حان ذلك اليوم، دخل محرابه، وأغلق بابه، وجعل يُصلِّى ويقرأ الزبور، فجاء الشيطان فى صورة حمامة من ذهب، فمدَّ يده ليأخذها لابن له صغير فطارت، فامتد إليها فطارت، فوقعت فى كوّة فتتبعها، فأبصر امرأة جميلة قد نفضت شعرها فغطى بدنها، وهى امرأة أوريا، وهو من غزاة البلقاء، فكتب إلى أيوب بن صوريا - وهو صاحب بعث البلقاء - أن ابعث أوريا وقَدِّمه على التابوت - وكان من يتقدم لا يحل له أن يرجع حتى يفتح الله على يده أو يستشهد - ففتح الله على يده وسلم، فأمر برده مرة أخرى وثالثة حتى قُتِل، فأتاه خبر قتله فلم يحزن كما يحزن على الشهداء، وتزوج امرأته. فهذا ونحوه، مما لا يصح أن يُحَدَّث به عن بعض المتسمين بالصلاح من أفناء المسلمين، فضلاً عن بعض أعلام الأنبياء. وعن سعيد بن المسيب والحارث الأعور: أن علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه قال: مَن حَدَّثكم بحديث داود على ما يرويه القُصَّاص، جلدته مائة وستين جَلْدة، وهو حد الفرية على الأنبياء. وروى أنه حُدِّث بذلك عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من أهل الحق فكذَّب المحدِّث به وقال: إن كانت القصة على ما فى كتاب الله فما ينبغى أن يُلتمس خلافها، وأعظم بأن يقال غير ذلك، وإن كان كما ذكرت وكفَّ الله عنها ستراً على نبيه، فما ينبغى إظهارها عليه،

<<  <  ج: ص:  >  >>