للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خاتمه عندها - وكان مُلكه فى خاتمه - فوضعه عندها يوماً، وأتاها الشيطان صاحب البحر - وهو الذى دَلَّ سليمان على الماس حين أمر ببناء بيت المقدس، واسمه "صخر" - على صورة سليمان فقال: يا أمينة، خاتمى، فتختَّم به وجلس على كرسى سليمان، وعكفت عليه الطير والجن والإنس وغيَّر سليمان من هيئته، فأتى أمينة لطلب الخاتم فأنكرته وطردته، فعرف أن الخطيئة قد أدركته. فكان يدور على البيوت يتكفف، فإذا قال أنا سليمان، حثوا عليه التراب وسبُّوه، ثم عمد إلى السمَّاكين ينقل لهم السمك فيعطونه كل يوم سمكتين فمكث على ذلك أربعين صباحاً عدد ما عُبِد الوثن فى بيته، فأنكر آصف وعظماء بنى إسرائيل حكم الشيطان. وسأل آصف نساء سليمان، فقلن: ما يدع امرأة منا فى دمها ولا يغتسل من جنابة. وقيل: بل نفذ حكمه فى كل شئ إلا فيهن. ثم طار الشيطان وقذف الخاتم. فتختَّم به ووقع ساجداً، ورجع إليه مُلكه، وجاب صخرة لـ "صخر" فجعله فيها، وسدَّ عليه بأخرى، ثم أوثقها بالحديد والرصاص وقذفه فى البحر. وقيل: لما افتتن كان يسقط الخاتم من يده لا يتماسك فيها، فقال له آصف: إنك لمفتون بذنبك. والخاتم لا يقر فى يدك، فتُبْ إلى الله عَزَّ وجَلَّ. ولقد أبى العلماء المتقنون قبوله، وقالوا: هذا من أباطيل اليهود، والشياطين لا يتمكون من فعل هذه الأفاعيل، وتسليط الله إياهم على

عباده حتى يقعوا فى تغيير الأحكام، وعلى نساء الأنبياء حتى يفجروا بهن قبيح. وأما اتخاذ التماثيل فيجوز أن تختلف فيه الشرائع، ألا ترى إلى قوله: {مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ} [سبأ: ١٣] .. وأما السجود للصورة فلا يُظَن بنبى الله أن يأذن فيه، وإذا كان بغير علمه فلا عليه".

وجَلِىُّ أن الزمخشرى قد صرَّح بجواز الروايتين (الأولى والثانية) ورأى أنه لا بأس من وقوع إحداهما، ولكنه فَنَّدَ الرواية الأخيرة - رواية صخر المارد - وبَيَّنَ أنها تُذْهِب بعصمة الأنبياء، ولا تتفق وقواعد الشريعة.

... وهكذا لم يقع الزمخشرى فيما وقع فيه غيره من المفسِّرين من الاغترار بالقَصص الإسرائيلى والأخبار المختلفة المصنوعة، وهذه محمدة أخرى لهذا المفسِّر الكبير تُحمَد له ويُشكَر عليها.

وبعد.. فهذه الكتب الثلاثة: تنزيه القرآن عن المطاعن، وأمالى الشريف المرتضى، وكشَّاف الزمخشرى، هى كل ما وصل إلى أيدينا من تراث المعتزلة ومؤلفاتهم فى التفسير، وهى وإن كانت قليلة بالنسبة لما لم تنله أيدينا من تفاسير المعتزلة، يمكن أن تكون تعويضاً مقبولاً إلى حد كبير عن التفاسير التى طوتها يد النسيان، وأدرجتها

<<  <  ج: ص:  >  >>