للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه الآثار تدل على أن الصحابة تعلَّموا من رسول الله صلى الله عليه وسلم معانى القرآن كلها، كما تعلَّموا ألفاظه.

ثالثاً: قالوا إن العادة تمنع أن يقرأ قوم كتاباً فى فن من العلم كالطب أو الحساب ولا يستشرحوه، فكيف بكتاب الله الذى فيه عصمتهم، وبه نجاتهم وسعادتهم فى الدنيا والآخرة؟

رابعاً: ما أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه عن عمر رضى الله عنه أنه قال: "من آخر ما نزل آية الربا، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبض قبل أن يُفسِّرها"، وهذا يدل بالفحوى على أنه كان يُفسِّر لهم كل ما نزل، وأنه إنما لم يُفسِّر هذه الآية، لسرعة موته بعد نزولها، وإلا لم يكن للتخصيص بها وجه.

*

*أدلة مَن قال بأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يبيِّن لأصحابه إلا القليل من معانى القرآن:

استدل أصحاب هذا الرأى بما يأتى:

أولاً: ما أخرجه البزَّار عن عائشة قالت: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُفسِّر شيئاً من القرآن إلا آياً بعدد، علَّمه إياهنَ جبريل".

ثانياً: قالوا: إن بيان النبى صلى الله عليه وسلم لكل معانى القرآن متعذر، ولا يمكن ذلك إلا فى آى قلائل، والعلم بالمراد يُستنبط بأمارات ودلائل، ولم يأمر الله نبيه بالتنصيص على المراد فى جميع آياته لأجل أن يتفكر عباده فى كتابه.

ثالثاً: قالوا: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بيَّن لأصحابه كل معانى القرآن لما كان لتخصيصه ابن عباس بالدعاء بقوله: "اللَّهم فقهه فى الدين وعلِّمه التأويل" فائدة، لأنه يلزم من بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه كل معانى القرآن استواؤهم فى معرفة تأويله، فكيف يخصص ابن عباس بهذا الدعاء؟.

* *

*مغالاة الفريقين:

ومَن يتأمل فيما تقدَّم من أدلة الفريقين يتضح له أنهما على طرفى نقيض. ورأيى أن كل فريق منهم مبالغ فى رأيه. وما استدل إليه كل فريق من الأدلة يمكن مناقشته بما يجعله لا ينهض حُجَّة على المدَّعى.

*مناقشة أدلة الفريق الأول:

فاستدلال ابن تيمية ومَن معه على رأيهم بقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>