الكتاب، ويكون القصد من ذلك تأكيد الحكم وتقويته. وذلك كقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه" فإنه يوافق قوله تعالى: {لاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل} [النساء: ٢٩] .. وقوله عليه الصلاة والسلام: "اتقوا الله فى النساء فإنهن عوان فى أيديكم، أخذتموهم بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، " فإنه موافق لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بالمعروف} [النساء: ١٩] .
* * *
*المصدر الثالث من مصادر التفسير فى عصر الصحابة - الاجتهاد وقوة الاستنباط:
كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، إذا لم يجدوا التفسير فى كتاب الله، ولم يتيسر لهم أخذه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجعوا فى ذلك إلى اجتهادهم وإعمال رأيهم، وهذا بالنسبة لما يحتاج إلى نظر واجتهاد، أما ما يمكن فهمه بمجرد معرفة اللغة العربية فكانوا لا يحتاجون فى فهمه إلى إعمال النظر، ضرورة أنهم من خُلَّصِ العرب، يعرفون كلام العرب ومناحيهم فى القول، ويعرفون الألفاظ العربية ومعانيها بالوقوف على ما ورد من ذلك فى الشعر الجاهلى الذى هو ديوان العرب، كما يقول عمر رضى الله عنه.
*أدوات الاجتهاد فى التفسير عند الصحابة:
وكثير من الصحابة كان يُفسِّر بعض آى القرآن بهذا الطريق، أعنى طريق الرأى والاجتهاد، مستعيناً على ذلك بما يأتى:
أولاً: معرفة أوضاع اللغة وأسرارها.
ثانياً: معرفة عادات العرب.
ثالثاً: معرفة أحوال اليهود والنصارى فى جزيرة العرب وقت نزول القرآن.
رابعاً: قوة الفهم وسعة الإدراك.
فمعرفة أوضاع اللغة العربية وأسرارها، تعين على فهم الآيات التى لا يتوقف فهمها على غير لغة العرب. ومعرفة عادات العرب تعين على فهم كثير من الآيات التى لها صلة بعاداتهم، فمثلاً قوله تعالى: {إِنَّمَا النسياء زِيَادَةٌ فِي الكفر} [التوبة: ٣٧] .. وقوله: {وَلَيْسَ البر بِأَن تَأْتُواْ البيوت مِن ظُهُورِهَا} [البقرة: ١٨٩] . لا يمكن فهم المراد منه، إلا لمن عرف عادات العرب فى الجاهلية وقت نزول القرآن.
ومعرفة أحوال اليهود والنصارى فى جزيرة العرب وقت نزول القرآن، تعين على فهم الآيات التى فيها الإشارة إلى أعمالهم والرد عليهم.
ومعرفة أسباب النزول، وما أحاط بالقرآن من ظروف وملابسات، تعين على فهم كثير من الآيات القرآنية، ولهذا قال الواحدى: "لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها". وقال ابن دقيق العيد: "بيان سبب النزول طريق قوى فى فهم معانى القرآن" وقال ابن تيمية: "معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية. فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب".
وأما قوة الفهم وسعة الإدراك، فهذا فضل الله يؤتيه مَن يشاء من عباده. وكثير من آيات القرآن يدق معناه، ويخفى المراد منه، ولا يظهر إلا لمن أوتى حظاً من الفهم ونور البصيرة، ولقد كان ابن عباس صاحب النصيب الأكبر والحظ الأوفر من ذلك، وهذا ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له بذلك حيث قال: "اللَّهم فََقِّهه فى الدين وعَلِّمه التأويل".
وقد روى البخارى فى صحيحه بسنده إلى أبى جحيفة رضى الله عنه أنه قال: "قلت لعلىّ رضى الله عنه: هل عندكم شئ من الوحى إلا ما فى كتاب الله؟ قال: لا، والذى فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه إلا فهماً يُعطيه الله رجلاً فى القرآن، وما فى هذه الصحيفة، قلت: وما فى هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وألاَّ يُقتل مسلم بكافر".
هذه هى أدوات الفهم والاستنباط التى استعان بها الصحابة على فهم