وقال يونس: حدثنى مَن صحب عِكرمة إلى واسط. قال: فما رأيته غسل رجليه، إنما كان يمسح عليهما - وأما ما رُوى عن سادة أهل البيت فى ذلك فأكثر من أن يُحصَى، فمن ذلك ما روى الحسين بن سعيد الأهوازى، عن فضالة، عن حماد بن عثمان، عن غالب بن هذيل قال: سألت أبا جعفر عن المسح على رجلين
فقال: هو الذى نزل به جبريل. وعنه عن أحمد ابن محمد قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضح بكفه على الأصابع ثم مسحهما إلى الكعبين، فقلت له: لو أن رجلاً قال بأصبعين من أصابعه هكذا إلى الكعبين؟ قال: لا، إلا بكفه كلها. وأما وجه القراءتين فى {وَأَرْجُلَكُمْ} فمن قال بالغسل حمل الجر فيه على أنه عطف على {بِرُؤُوسِكُمْ} ، وقال: المراد بالمسح هو الغسل. وروى عن أبى زيد أنه قال: المسح خفيف الغسل، فقد قالوا: تمسَّحت للصلاة، وقوى ذلك بأن التحديد إنما جاء فى المغسول ولم يجئ فى الممسوح، فلما وقع التحديد فى المسح عُلِم أنه فى حكم الغسل لموافقة الغسل فى التحديد، وهذا قول ابن علىّ الفارسى.
وقال بعضهم: هو خفض على جوار، كما قالوا: جحر ضب خرب. وخرب من صفات الحجر لا الضب، وكما قال امرؤ القيس:
كأن ثبيراً فى عرانين وبله ... كبير أناس بجاد مزمل
وقال الزجَّاج: إذا قرئ بالجر يكون عطفاً على الرؤوس فيقتضى كونه ممسوحاً، وذُكر عن بعض السَلَف أنه قال: نزل جبريل بالمسح، والسُّنَّة فيه الغسل. قال: والخفض على الجوار لا يجوز فى كتاب الله تعالى، ولكن المسح على هذا التحديد فى القرآن كالغسل. وقال الأخفش: هو معطوف على الرؤوس فى اللفظ، مقطوع فى المعنى، كقول الشاعر:
علفتها تبناً وماءً بارداً
أى: وسقيتها ماءً بارداً.
وأما القراءة بالنصب، فقالوا فيه: إنه معطوف على {وَأَيْدِيَكُمْ} ، لأنَّا رأينا فقهاء الأمصار عملوا على الغسل دون المسح، ولما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى قوماً توضأوا وأعقابهم تلوح. فقال:"ويل للعراقيب من النار". ذكره أبو علىّ الفارسى، وأما مَن قال بوجوب مسح الرجلين.. حمل الجر والنصب فى "أرجلكم" على ظاهره بدون تعسف، فالجر للعطف على الرؤوس، والنصب للعطف على موضع الجار والمجرور، وأمثال ذلك فى كلام العرب أكثر من أن تُحصى. قالوا: ليس فلان بقائم ولا ذاهباً، وأنشد:
معاوى إننا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا
وقال تأبط شراً:
هل أنت باعث ديناراً لحاجتنا ... أو عبد رب أخا عون بن مخراق