القرآن من جميع نواحيها إلى مَن دخل فى دينهم مِن أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، وغيرهم من علماء اليهود والنصارى.
وهذا بالضرورة كان بالنسبة إلى ما ليس عندهم فيه شئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه لو ثبت شئ فى ذلك عن رسول الله ما كانوا يعدلون عنه إلى غيره مهما كان المأخوذ عنه.
* *
* أهمية هذا المصدر بالنسبة للمصادر السابقة:
غير أن رجوع بعض الصحابة إلى أهل الكتاب، لم يكن له من الأهمية فى التفسير ما للمصادر الثلاثة السابقة، وإنما كان مصدراً ضيِّقاً محدوداً، وذلك أن التوراة والإنجيل وقع فيهما كثير من التحريف والتبديل، وكان طبيعياً أن يحافظ الصحابة على عقيدتهم، ويصونوا القرآن عن أن يخضع فى فهم معانيه لشئ مما جاء ذكره فى هذه الكتب التى لعبت فيها أيدى المحرِّفين، فكانوا لا يأخذون عن أهل الكتاب إلا ما يتفق وعقيدتهم ولا يتعارض مع القرآن. أما ما اتضح لهم كذبه مما يعارض القرآن ويتنافى مع العقيدة فكانوا يرفضونه ولا يصدِّقونه، ووراء هذا وذاك ما هو مسكوت عنه، لا هو من قبيل الأول، ولا هو من قبيل الثانى، وهذا النوع كانوا يسمعونه من أهل الكتاب ويتوقفون فيه، فلا يحكمون عليه بصدق ولا بكذب، امتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا تُصدِّقوا أهل الكتاب ولا تُكذِّبوهم، وقولوا: آمنا بالله وما أُنزل إلينا ... " الآية.
وسنوفق بمشيئة الله تعالى بين هذا الحديث وحديث:"بلِّغوا عنى ولو آية، وحدِّثوا عن بنى إسرائيل ولا حَرَج ... " ونذكر مدى تأثير اليهودية والنصرانية على التفسير فى أدواره المختلفة من لدن عصر الصحابة إلى عصر التدوين، وذلك عند الكلام عن التفسير المأثور إن شاء الله تعالى.