يكاد العالم من آل محمد يتكلم بالعلم قبل أن يُسئل، {نُّورٌ على نُورٍ} أى إمام مؤيَّد بنور العلم والحكمة فى أثر إمام من آل محمد صلى الله عليه وسلم، ذلك من النبى آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة. فهؤلاء الأوصياء الذين جعلهم الله خلفاء فى أرضه، وحججه على خلقه، لا تخل الأرض فى كل عصر من واحد منهم، ويدل عليه قول أبى طالب:
أنت الأمير محمد ... قرم أغر مسود
لمسودين أطاهر ... كرموا وطاب المولد
أنت السعيد من السعو ... د تكنفتك الأسعد
من لدن آدم لم يزل ... فينا وصى مرشد
ولقد عرفتك صادقاً ... والقول لا يتفند
مازلت تنطق بالصوا ... ب وأنت طفل أمرد
تحقيق هذه الجملة يقتضى أن الشجرة المباركة المذكورة فى الآية هى دوحة التقى والرضوان وعترة الهدى والإيمان، شجرة أصلها النبوة، وفرعها الإمامة، وأغصانها التنزيل، وأوراقها التأويل، وخدمها جبريل وميكائيل".
* *
* اعتداله فى تشيعه:
والطبرسى معتدل فى تشيعه غير مغال فيه كغيره من متطرفى الإمامية الإثنا عشرية، ولقد قرأنا فى تفسيره فلم نلمس عليه تعصباً كبيراً، ولم نأخذ عليه أنه كفَّر أحداً من الصحابة أو طعن فيهم بما يُذهب بعدالتهم ودينهم.
كما أنه لم يغال فى شأن علىّ بما يجعله فى مرتبة الإله أو مصاف الأنبياء، وإن كان يقول بالعصمة. ولقد وجدناه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فى شأن مَن وإلى علياً ومَن عاداه، وهو بصرف النظر عن درجته من الصحة يدل على أن الرجل وقف موقفاً وسطاً أو فوق الوسط إلى حد ما فيه من حبه لعلىّ رضى الله عنه، هذا الحديث هو ما رواه فى الوجه الرابع من الوجوه التى قيلت فى سبب نزول قوله تعالى فى الآية [٥٧] من سورة الزخرف: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} ، حيث قال: ".. ورابعها: ما رواه سادة أهل البيت عن علىّ عليهم أفضل الصلوات أنه قال: جئت إلى رسول الله يوماً فوجدته فى ملإٍ من قريش فنظر إلىّ ثم قال: يا علىّ؛ إنما مثلك فى هذه الأمة كمثل عيسى ابن مريم أحبه قوم فأفرطوا فى حبه فهلكوا، وأبغضه قوم وأفرطوا فى بغضه فهلكوا، واقتصد فيه قوم فنجوا، فعظم ذلك عليهم فضحكوا وقالوا: يشبه بالأنبياء والرسل.. فنزلت الآية".