عرف معنى الطهارة حقيقة وهذا قربانه إليك، فيقول: اشهدوا أنى قد حللت له ترك الغُسل من الجنابة، ثم يقيم مدة فيقول له هذا الداعى الملعون: قد عرفتَ أربع درجات، وبقى عليك الخامسة، فاكشف عنها، فإنها منتهى أمرك وغاية سعادتك، ويتلو عليه:{فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ}[السجدة: ١٧] فيقول له: ألهمنى إياها ودلنى عليها، فيتلو
عليه:{لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هاذا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ}[ق: ٢٢] .. ثم يقول له: أتحب أن تدخل الجنة فى الحياة الدنيا؟ فيقول: وكيف لى ذلك؟ فيتلو عليه:{وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ والأولى}[الليل: ١٣] . ثم يتلو عليه:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرزق قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا خَالِصَةً يَوْمَ القيامة}[الأعراف: ٣٢] .. والزينة ههنا: ما خفى على الناس من أسرار النساء التى لا يَطَّلع عَلِيها إلا المخلصوصون بذلك، وذلك قوله:{وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ}[النور: ٣١] .. والزينة مستورة غير مشهورة، ثم يتلو عليه:{وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللؤلؤ المكنون}[الواقعة: ٢٢-٢٣] .. فمن لم ينل الجنة فى الدنيا لم ينلَها فى الآخرة، لأن الجنة مخصوص بها ذوو الألباب، وأهل العقول دون الجُهَّال، لأن المستحسن من الأشياء ما خفى، ولذلك سميت الجنَّة جَنّة لأنها مستجنة، وسميت الجِن جِنا لاختفائهم عن الناس، والمجنة المقبرة لأنها تستر مَن فيها، والترس المجن لأنه يُستتر به، فالجَنَّة ههنا: ما استتر عن هذا الحق المنكوس الذين لا علم لهم ولا عقول،