للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكأنى بأبى الفضائل - وقد قال بنبوة الباب والبهاء - نظر فى كتاب البيان وكتاب بهاء الله، فلم يجدهما فى رصانة القرآن وفصاحته، فأراد أن ينزل بالقرآن عن مستواه فى البلاغة، ويسلب عنه إعجازه حتى يكون فى درجة البيان والكتاب فقال: "ولا يُعرف ولا يمتاز كلام الله عن كلام البشر بفصاحته، وبلاغته، ورصف كلماته، وتسجيع عباراته، وترصيع جمله، ولطيف استعاراته، كما يدَّعيه قوم".

كما أعتقد أنه - وقد ادَّعى نبوة الباب والبهاء - راح يفتش لهما عن معجزة تُصدِّق دعواهما النبوة، فلم يعثر ولا على جزء معجزة، فجرَّه ذلك أن ينكر معجزات الرسل، ويتأوَّل ما ورد فى القرآن منها بأنها من قبيل الاستعارات عن الأمور المعقولة، والحقائق الممكنة، مما يُجوِّزه العقل السليم، كما جَرَّه إلى القول بأنه لا صلة بين دعوى الرسالة، وبين القُدْرة على الإتيان بالخوارق فقال: "لا نسبة بين القُدْرة على إتيان المعجزات والعجائب، وبين ادعاء النبوة والرسالة، فإن الرسالة والنبوة ليست إلا بعث إنسان من قِبَلِ الله تعالى لهداية الخلق، فما هو ارتباط هذا المعنى بالقُدْرة على شق البحار، وجفاف الأنهار، وإنطاق الأحجار والأشجار مثلاً".

ولا يشك عاقل فى أن هذا الزنديق يريد من وراء هذا أن يفتح باب شر عظيم، ليدخل منه كل مَن يدَّعى النبوة والرسالة، كما دخل منه أنبياء البابية والبهائية من قبل.

وكما تأوَّل متعصبو الشيعة الشجر المباركة، والشجرة الملعونة، فحملوا الأُولى على آل البيت، والثانية على أعدائهم من بني أمية، كذلك تأوَّلهما أبو الفضائل، فقال فى شرحه لقوله تعالى فى الآية [٣٥] من سورة النور: {الله نُورُ السماوات والأرض مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المصباح فِي زُجَاجَةٍ الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ} ... . الآية: "أطلق لفظ "شجرة مباركة زيتونة" على مظهر أمر الله، ومطلع الشمس حقيقته وذاته. ومشرق أنوار أسمائه وصفاته، فإن من هذا السدرة المباركة وحدها تتألف وتضىء الأنوار الإلهية، وتشرق وتلمع أشعة العلم والقوة، والقُدْرة الملكوتية السماوية، وهذه استعارة فى غاية الرقة واللَّطافة، وتجوّز فى نهاية اللطافة والبراعة، لم يُوجد مثلها إلا فى الكلمات النبوية، ولم يُسمع شبيهها إلا من نغمات طيور القدس فى الحدائق القدسية". قال: "وكذلك فى الآية [٦٠] من سورة بنى إسرائيل، أطلق لفظ الشجرة الملعونة: استعارة على أعداء الله، ومحاربى رسول الله، من السلالة الأُموية، والسلطة العضوضية

<<  <  ج: ص:  >  >>