فهذه الآيات كلها تشير إلى أن القرآن له ظهر وبطن. وذلك لأنّ الله سبحانه وتعالى حيث ينعى على الكفار أنهم لا يكادون يفقهون حديثاً، ويحضهم على التدبر فى آيات القرآن الكريم لا يريد بذلك أنهم لا يفهمون نفس الكلام، أو حضهم على فهم ظاهره، لأن القوم عرب، والقرآن لم يخرج عن لغتهم فهم يفهمون ظاهره ولا شكّ. وإنما أراد بذلك أنهم لا يفهمون عن الله مراده من الخطاب، وحضَّهم على أن يتدبروا فى آياته حتى يقفوا على مقصود الله ومراده، وذلك هو الباطن الذى جهلوه ولم يصلوا إليه بعقولهم.
وأما تنبيه الرسول صلى الله عليه وسلم، فذلك فى الحديث الذى أخرجه الفريابى من رواية الحسن مرسلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لكل آية ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع"، وفى الحديث الذى أخرجه الديلمى من رواية عبد الرحمن بن عوف مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"القرآن تحت العرش، له ظهر وبطن يُحاج العباد".
ففى هذين الحديثين تصريح بأن القرآن له ظهر وبطن. ولكن ما هو الظهر وما هو البطن؟ اختلف العلماء فى بيان ذلك:
وقال أبو عبيدة: إن القَصص التى قصَّها الله تعالى عن الأُمم الماضية وما عاقبهم به ظاهرها الإخبار بهلاك الأوَّلين، وحديث حَدَّث به عن قوم، وباطنها وعظ الآخرين وتحذيرهم أن يفعلوا كفعلهم، فيحل بهم مثل ما حلَّ بهم.. ولكن هذا خاص بالقَصص، والحديث يعم كل آية من آيات القرآن.
وحكى ابن النقيب قولاً ثالثا: وهو أن ظهرها ما ظهر من معانيها لأهل العلم، وبطنها ما تضمنته من الأسرار التى أطلع الله عليها أهل الحقائق.
هذا هو أشهر ما قيل فى معنى الظهر والبطن.. وأما قوله فى الحديث الأول:"ولكل حرف حد"، فمعناه على ما قيل: لكل حرف حد، أى منتهى فيما أراد الله من معناه، أو لكل حكم مقدار من الثواب والعقاب. والأول أظهر، وقوله:"ولكل حد مطلع"، معناه على ما قيل أيضاً: لكل غامض من المعانى والأحكام مطلع يُتوصل به إلى معرفته ويوقف على المراد به. وقيل: كل ما يستحقه من الثواب والعقاب يطلع عليه فى الآخرة عند المجازاة، والأول أظهر أيضاً.
وأما الصحابة فقد نُقِل عنهم من الأخبار ما يدل على أنهم عرفوا التفسير الإشارى وقالوا به، أما الروايات الدالة على أنهم يعرفون ذلك فمنها: