جهة حمل الأنداد على الأنفس الأمَّارة - اعتباراً، وجهة كون الخطاب - وإن كان موجهاً للمشركين - فيه لأهل الإسلام نظر واعتبار.
أما ما يشهد له من الجهة الأولى: فقوله تعالى فى الآية [٣١] من سورة التوبة: {اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله} .. وظاهر أنهم لم يعبدوهم من دون الله، ولكنهم ائتمروا بأوامرهم، وانتهوا عما نهوهم عنه كيف كان، فما حرَّموا عليهم حرَّموه، وما أباحوا لهم حلَّلوه، وفاتهم أن المحلِّل والمحرِّم هو الله، فقال الله سبحانه:{اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله} . وهذا بعينه هو شأن المتبع لهوى نفسه.
وأما ما يشهد له من الجهة الثانية، فهو أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لبعض مَن توسَّع فى الدنيا من أهل الإيمان: أين تذهب بكم هذه الآية: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِى حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} ؟ وكان هو يعتبر نفسه بها، مع أن الآية نزلت فى حق الكفار لقوله تعالى:{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوْا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ} .. الآية، فعمر رضى الله عنه، له فى الآية، فعمر رضى الله عنه، له فى الآية نظر واعتبار، فأخذ من معناها معنى أجرى الآية فيه وإن لم تنزل فيه، حذراً منه وخوفاً أن يكون التوسع فى المباحات سبباً فى الحرمان من نعيم الآخرة ومتاعها، فإذا صح لعمر رضى الله عنه أن يُنزل الآية على المتوسعين فى المباحات من المؤمنين ولم تنزل فيهم، صحَّ لسهل أيضاً أن يُنزل الآية على النفس الأمَّارة وإن لم تنزل فيها كذلك.
ومن ذلك أيضاً ما جاء فى قوله تعالى فى الآية [٣٥] من سورة البقرة: {وَلاَ تَقْرَبَا هاذه الشجرة فَتَكُونَا مِنَ الظالمين} .. من قول سهل رحمه الله:"لم يرد الله معنى الأكل فى الحقيقة، وإنما أراد معنى مساكنة الهمة لشئ هو غيره.. أى لا تهتم بشئ هو غيرى. قال: فآدم عليه السلام لم يعصم من الهمة والفعل فى الجنة، فلحقه ما لحقه من أجل ذلك. قال: وكذلك كل من ادَّعى ما ليس له وساكنه قلبه ناظراً إلى هوى نفسه، لحقه الترك من الله عَزَّ وجَلَّ مع ما جُبِلت عليه نفسه إلا أن يرحمه الله، فيعصمه من تدبيره وينصره على عدوه وعليها.. قال: وآدم لم يُعْصَم عن مساكنة قلبه إلى تدبير نفسه للخلود لما أُدْخِلَ الجنة، ألا ترى أن البلاء دخل عليه من أجل سكون القلب إلى ما وسوست به نفسه، فغلب الهوى والشهوة العلم والعقل والبيان ونور القلب، لسابق القدر من الله تعالى، كما قال عليه السلام، "الهوى والشهوة يغلبان العلم والعقل".
وبالنظر فى كلام سهل هذا نرى أنه ادَّعى فى الآية خلاف ما ذكره المفسِّرون من أن