كما يتميز المحق من أهل الله، من المدَّعى فى الأهلية غداً يوم القيامة. قال بعضهم:
فإذا اشتبكت دموع فى خدود ... تبين مَن بكى ممن تباكى
أين عالم الرسوم من قول علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه حين أخبر عن نفسه أنه لو تكلم فى الفاتحة من القرآن لحمَّل منها سبعين وقراً؟ هل هذا إلا من الفهم الذى أعطاه الله فى القرآن؟ فاسم الفقيه أولى بهذه الطائفة من صاحب علم الرسم، فإن الله يقول فيهم:{لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدين وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رجعوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} .. فأقامهم مقام الرسول فى التفقه فى الدين والإنذَار، وهو الذى يدعو إلى الله على بصيرة كما يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيرة، لا على غلبة ظن كما يحكم عالم الرسوم، فشتَّان بين مَن هو فيما يُفتى به ويقوله على بصيرة منه فى دعائه إلى الله وهو على بيِّنة من ربه، وبين مَن يفتى فى دين الله بغلبة ظنه".
ثم إن من شأن عالم الرسوم فى الذب عن نفسه أنه يُجَهِّل مَن يقول: فهمَّنى ربى، ويرى أنه أفضل منه، وأنه صاحب العلم إذ يقول مَن هو من أهل الله: إن الله ألقى فى سِرِّى مراده بهذا الحكم فى هذه الآية، أو يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى واقعتى فأعلمنى بصحة هذا الخبر المروى عنه وبحكمه عنده. قال أبو يزيد البسطامى رضى الله عنه فى هذا المقام - يخاطب علماء الرسوم: أخذتم علمكم ميتاً عن ميت، وأخذنا عن الحى الذى لا يموت، يقول أمثالنا: حدَّثنى قلبى عن ربى، وأنتم تقولون: حدَّثنى فلان، وأين هو؟ قالوا: مات. عن فلان: وأين هو؟ قالوا: مات. وكان الشيخ أبو مدين - رحمه الله - إذا قيل له: قال فلان، عن فلان، عن فلان، يقول: "ما نريد نأكل قديداً، هاتوا ائتونى بلحم طرى - يرفع همم أصحابه - فأُولئك أكلوه لحماً طرياً، والواهب لم يمت، وهو أقرب إليكم من حبل الوريد".
والفيض الإلهى والمبشرات ما سُدَّ بابها، وهى من أجزاء النبوة، والطريق واضحة، والباب مفتوح، والعمل مشروع. والله يهرول لتلقى مَن أتى إليه يسعى، وما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم، وهو معهم أينما كانوا، فمَن كان معك بهذه المثابة من القُرْب - مع دعواك العلم بذلك والإيمان به - لم تترك الأخذ عنه والحديث معه، وتأخذ عن غيره ولا تأخذ عنه، فتكون حديث عهد بربك"؟