عنه، وآخاه رسول الله صلى الله عليه وسلم لَّما آخى بين أصحابه وقال له:"أنت أخى فى الدنيا والآخرة" وهو أحد العشرة المبشَّرين بالجنة، اجتمع فيه من الفضائل ما لم يحظ به غيره، فمن ورع فى الدين، إلى زهد فى الدنيا، إلى قرابة وصهر برسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى علم جم وفضل غزير، وقد توفى رحمه الله فى رمضان سنة أربعين من الهجرة، مقتولاً بيد عبد الرحمن بن ملجم الخارجى، وعمره ثلاث وستون سنة، وقيل غير ذلك.
* *
* مبلغه من العلم:
كان رضى الله عنه بحراً فى العلم، وكان قوى الحُجَّة، سليم الاستنباط، أُوتِىَ الحظ الأوفر من الفصاحة والخطابة والشعر، وكان ذا عقل قضائى ناضج، وبصيرة نافذة إلى بواطن الأُمور، وكثيراً ما كان يرجع إليه الصحابة فى فهم ما خفى واستجلاء ما أشكل، وقد ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاء اليمن، ودعا له بقوله:"اللهم ثبِّت لسانه واهد قلبه"، فكان مُوفَّقاً ومُسدَّداً، فيصلاً فى المعضلات، حتى ضُرِب به المثل فقيل:"قضية ولا أبا حسن لها"، ولا عجب، فقد تربى فى بيت النبوة، وتغذَّى بلبان معارفها، وعَمَّته مشكاة أنوارها. روى علقمة عن ابن مسعود قال: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علىّ بن أبى طالب. وقيل لعطاء: أكان فى أصحاب محمد أعلم من علىّ؟ قال: لا، والله لا أعلمه، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:"إذا ثبت لنا الشء عن علىّ لم نعدل عنه إلى غيره".
والذى يرجع إلى أقضية علىّ رضى الله عنه وخطبه ووصاياه، يرى أنه قد وُهِبَ عقلاً ناضجاً، وبصيرة نافذة، وحظاً وافراً من العلم وقوة البيان.
* *
* مكانته من التفسير:
جمع علىّ رضى الله عنه إلى مهارته فى القضاء والفتوى، علمه بكتاب الله، وفهمه لأسراره وخفى معانيه، فكان أعلم الصحابة بمواقع التنزيل ومعرفة التأويل، وقد رُوِى عن ابن عباس أنه قال:"ما أخذت من تفسير القرآن فعن علىّ بن أبى طالب".
وأخرج أبو نعيم فى الحلية عن علىّ رضى الله عنه أنه قال:"واللهِ ما نزلت آية إلا وقد علمتُ فيم نزلت، وأين نزلت، وإن ربى وهبَ لى قلباً عقولاً، ولساناً سئولاً".
وعن أبى الطفيل قال: "شهدتُ علياً يخطب وهو يقول: سلونى، فوالله لا تسألونى عن شئ إلا أخبرتكم، وسلونى عن كتاب الله، فواللهِ ما من آية إلا وأنا