وأما ما فيه من تفسير إشارى، فكثير منه لا نفهم له معنى، ولا نجد له فى سياق الآية أو لفظها ما يدل عليه، ولو أن المؤلف - رحمه الله - كان واضحاً فى كلامه، كما كان التسترى واضحاً، أو جمع بين التفسير الظاهر والتفسير الباطن لهان الأمر، ولكنه لم يفعل شيئاً من ذلك، مما جعل الكتاب مغلقاً، وموهماً لمن يقرؤه أن هذا مراد الله من كلامه، كما كان هذا هو السبب الذى من أجله قال الأستاذ الإمام فى القاشانى: إنه باطنى. وأنا مع اعترافى بأن الكتاب فى جملته أشبه ما يكون بتفسير الباطنية، من ناحية ما فيه من المعانى التى تقوم على نظرية وحدة الوجود، وما فيه من المعانى الإشارية البعيدة - مع اعترافى بهذا - أخالف كل مَن يقول: إن القاشانى من الباطنية، ذلك لأن تاريخ الرجل يشهد له بأنه كان من المتصوفة المشهود لهم بالزهد والورع، وأيضاً فإنَّا نعلم أن الباطنية ينكرون المعانى الظاهرية للقرآن، ويقولون: إن المراد هو الباطن وحده، أما صاحبنا، فلم يذهب هذا المذهب، بل نجده فى مقدمة تفسيره يعترف بأن الظاهر مراد ولا بد منه أولاً، كما نبَّه على أنه لا يحوم فى كتابه هذا حول ناحية التفسير الظاهر، ولعله فعل ذلك لأنه وجد من المفسِّرين مَن اعتنى بالظواهر دون الإشارات، فأراد هو أن يعتنى بالناحية الإشارية، دون الناحية الظاهرية للقرآن، فألَّف كتابه على النحو الذى نراه، وإليك بعض ما جاء فى هذه المقدمة، لتعلم أن الرجل ليس باطنياً، ولتعلم أيضاً منهجه الذى نهجه فى تفسيره، وطريقته التى سار عليها فى شرحه لكتاب الله. قال رحمه الله:
"وبعد.. فإنى طالما تعهدتُ تلاوة القرآن، وتدبرتُ معانيه بقوة الإيمان، وكنتُ مع المواظبة على الأوراد، حَرِج الصدر، قَلِق الفؤاد، لا ينشرح بها قلبى ولا يصرفنى عنها ربى، حتى استأنستُ بها فألفتها، وذقتُ حلاوة كأسها وشربتها، فإذا أنا بها نشيط النفس، فَلِج الصدر، مُتَسِع البال، منبسط القلب، فسيح السر، طيب الوقت والحال، مسرور الروح بذلك الفتوح، كأنه دائماً فى غبوق وصبوح، تنكشف لى تحت كل آية من المعانى ما يكل بوصفه لسانى لا القدرة تفى بضبطها وإحصائها، ولا القدرة تصبر عن نشرها وإفشائها، فتذكرت خبر من أتى ما ازدهانى، مما وراء المقاصد والأمانى، قول النبى الأُمِّى الصادق عليه أفضل الصلوات من كل صامت وناطق: "ما نزل من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع" وفهمت منه أن الظهر: هو التفسير، والبطن: هو التأويل، والحد: ما يتناهى إليه المفهوم من معنى الكلام، والمطلع: ما يصعد إليه منه فيطلع على شهود الملك العلام، وقد نُقل عن الإمام المحقق السابق جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال: لقد تجلَّى الله لعياده فى كلامه، ولكن لا يبصرون، ورُوى عنه عليه السلام أنه خَرَّ مغشياً عليه وهو فى الصلاة فسئل