وقوله حين لم يرقه أحد أجوبة الشافعى على سؤال مناظره:"ولو كُلِّم بذلك المبتدئون من أحداث أصحابنا لما خفى عليهم عوار هذا الحجاج، وضعف السائل والمسئول فيه".
ومثلاً عند ذكره لمذهب الشافعى فى الترتيب بين أعضاء الوضوء نجده يقول:"وهذا القول مما خرج به الشافعى عن إجماع السَلَف والفقهاء" كأن الشافعى فى نظر الجصَّاص ممن لا يُعتد برأيه، حتى ينعقد الإجماع بدونه.
* * *
* تأثر الجصَّاص بمذهب المعتزلة:
كذلك نجد الجصَّاص يميل إلى عقيدة المعتزلة، ويتأثر بها فى تفسيره، فمثلاً عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية [١٠٢] من سورة البقرة: {واتبعوا مَا تَتْلُواْ الشياطين على مُلْكِ سُلَيْمَانَ} ... الآية، نجده يذكر حقيقة السحر ويقول إنه:"متى أُطلق فهو اسم لكل أمر هو باطل لا حقيقة له ولا ثبات"، كما ينكر حديث البخارى فى سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقر أنه من وضع الملاحدة.
ومثلاً عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية [١٠٣] من سورة الأنعام: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار} ... الآية، نجده يقول:"معناه لا تراه الأبصار. وهذا تمدح بنفى رؤية الأبصار كقوله تعالى - فى الآية [٢٥٥] من سورة البقرة: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} - وما تمدّح الله بنفيه عن نفسه فإن إثبات ضده ذم ونقص، فغير جائز إثبات نقيضه بحال.. فلما تمدَّح بنفى رؤية البصر عنه لم يجز إثبات ضده ونقيضه بحال، إذ كان فيه إثبات صفة نقص، ولا يجوز أن يكون مخصوصاً بقوله تعالى فى الآيتين [٢٢، ٢٣] من سورة القيامة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ؛ لأن النظر محتمل لمعان: منها انتظار الثواب، كما روى عن جماعة من السَلَف، فلما كان ذلك محتملاً للتأويل لم يجز الاعتراض به على ما لا يساغ للتأويل فيه. والأخبار المروية فى الرؤية إنما المراد بها العلم لو صحَّت، وهو علم الضرورة الذى لا تشوبه شبهة، ولا تعرض فيه الشكوك، لأن الرؤية بمعنى العلم مشهورة فى اللُّغة".
* *
* حملة الجصَّاص على معاوية رضى الله عنه:
كما أننا نلاحظ على الجصَّاص أنه تبدو منه البغضاء لمعاوية رضى الله عنه، ويتأثر بذلك فى تفسيره. فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآيات [٣٩ - ٤١] من سورة الحج: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ الله على نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الذين أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ} ... إلى قوله:{الذين إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكاة وَأَمَرُواْ بالمعروف وَنَهَوْاْ عَنِ المنكر وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمور} .. يقول: ".. وهذه صفة الخلفاء الراشدين، الذين مكنهم الله فى الأرض وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلىّ رضى الله عنهم. وفيه الدلالة الواضحة على صحة إمامتهم، لإخبار الله تعالى بأنهم إذا مُكِّنوا فى الأرض قاموا بفروض الله عليهم، وقد مُكِّنوا فى الأرض فوجب أن يكونوا أئمة قائمين بأوامر الله منتهين عن زواجره ونواهيه، ولا يدخل معاوية فى هؤلاء، لأن الله إنما وصف بذلك المهاجرين الذين أُخرجوا