أسفاره فوجد عدتها ثمانين مجلداً، وبالجملة فقد خلَّف - رحمه الله - كتباً كثيرة، انتفع الناس بها بعد وفاته، كما نفع هو بعلمه مَن جلس إليه فى حياته. هذا ... وقد كانت وفاته - رحمه الله - سنة ٥٤٣ هـ[ثلاث وأربعين وخمسمائة من الهجرة) منصرفه من مراكش، وحُمِل ميتاً إلى مدينة فاس ودُفِن بها. فرضى الله عنه وأرضاه.
* *
* التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه:
يتعرض هذا الكتاب لسور القرآن كلها، ولكنه لا يتعرض إلا لما فيها من آيات الأحكام فقط، وطريقته فى ذلك أن يذكر السورة ثم يذكر عدد ما فيها من آيات الأحكام، ثم يأخذ فى شرحها آية آية.. قائلاً: الآية الأولى وفيها خمس مسائل (مثلاً) ، الآية الثانية وفيها سبع مسائل (مثلاً) ... . وهكذا، حتى يفرغ من آيات الأحكام الموجودة فى السورة.
* *
* تفسير ابن العربى بين انصافه واعتسافه:
هذا ... وإن الكتاب يعتبر مرجعاً مهماً للتفسير الفقهى عند المالكية، وذلك لأن مؤلفه مالكى تأثر بمذهبه، فظهرت عليه فى تفسيره روح التعصب له، والدفاع عنه، غير أنه لم يشتط فى تعصبه إلى الدرجة التى يتغاضى فيها عن كل زَلَّة علمية تصدر من مجتهد مالكى، ولم يبلغ به التعسف إلى الحد الذى يجعله يفند كلام مخالفه إذا كان وجيهاً ومقبولاً، والذى يتصفح هذا التفسير يلمس منه روح الإنصاف لمخالفيه أحياناً، ما يلمس منه روح التعصب المذهبى التى تستولى على صاحبها فتجعله أحياناً كثيرة يرمى مخالفه وإن كان إماماً له قيمته ومركزه بالكلمات المقذعة اللاذعة، تارة بالتصريح، وتارة بالتلويح. ويظهر لنا أن الرجل كان يستعمل عقله الحر، مع تسلط روح التعصب عليه، فأحياناً يتغلب العقل على التعصب، فيصدر حكمه عادلاً لا تكدره شائبة التعصب، وأحياناً - وهو الغالب - تتغلب العصبية المذهبية على العقل، فيصدر حكمه مشوباً بالتعسف، بعيداً عن الإنصاف.
* *
* طرف من إنصافه: وإذا أردتَ أن أضع يدك على شىء من إنصاف الرجل واستعماله لعقله، فانظر إليه عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية [١٨٧] من سورة البقرة: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام الرفث إلى نِسَآئِكُمْ} ... الآية، حيث يقول: "المسألة السادسة عشرة: قوله تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المساجد} : الاعتكاف فى اللُّغة هو اللبث، وهو غير مقدَّر عند الشافعى، وأقله لحظة، ولا حد لأكثره. وقال مالك وأبو حنيفة: هو