نفعاً، أسقط منه القصص والتواريخ، وأثبت عوضها أحكام القرآن واستنباط الأدلة، وذكر القراءات والإعراب والناسخ والمنسوخ"، وذكر المؤلف رحمه الله فى مقدمة هذا التفسير السبب الذى حمله على تأليفه، والطريق الذى رسمه لنفسه ليسير عليه فيه، وشروطه التى اشترطها على نفسه فى كتابه فقال: "وبعد.. فلما كان كتاب الله هو الكفيل بجمع علوم الشرع الذى استقل بالسُّنَّة والفرض، ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض، رأيت أن أشتغل به مدى عمرى، وأستفرغ فه منتى، بأن أكتب فيه تعليقاً وجيزاً يتضمن نكتاً من التفسير، واللُّغات، والإِعراب، والقراءات، والرد على أهل الزيغ والضلالات، وأحاديث كثيرة شاهدة لما نذكره من الأحكام ونزول الآيات، جامعاً بين معانيها، ومبيناً ما أشكل منها بأقاويل السَلَف ومَن تبعهم من الخَلَف.. وشرطى فى هذا الكتاب: إضافة الأقوال إلى قائليها، والأحاديث إلى مصنفيها، فإنه يقال: من بركة العلم أن يُضاف الأقوال إلى قائليها، والأحاديث إلى مصنفيها، فإنه يقال: من بركة العلم أن يُضاف القول إلى قائله، وكثيراً ما يجئ الحديث فى كتاب الفقه والتفسير مبهماً، لا يعرف من أخرجه إلا مَن اطلع على كتب الحديث، فيبقى مَن لا خبرة له بذلك حائراً لا يعرف الصحيح من السقيم، ومعرفة ذلك علم جسيم. فلا يُقبل منه الاحتجاج به ولا الاستدلال حتى يضيفه إلى مَن خرَّجه من الأئمة الأعلام، والثقات المشاهير من علماء الإسلام، ونحن نشير إلى جُمَل من ذلك فى هذا الكتاب، والله الموفق للصواب. وأضرب عن كثير من قصص المفسِّرين، وأخبار المؤرخين، إلا ما لا بد منه، وما لا غنى عنه للتبيين، واعتضت من ذلك تبيين آي الأحكام، بمسائل تُفسِّر عن معناها، وتُرشد الطالب إلى مقتضاها، فضمنت كل آية تتضمن حكماً أو حكمين فما زاد مسائل أُبيِّن فيها ما تحتوى عليه من أسباب النزول، والتفسير، والغريب، والحكم. فإن لم تتضمن حكماً ذكرتُ ما فيها من التفسير والتأويل ... وهكذا إلى آخر الكتاب، وسميته بـ "الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السُّنَّة وأحكام الفرقان ... ".
والذى يقرأ فى هذا التفسير يجد أن القرطبى - رحمه الله - قد وفَّى بما شرط على نفسه فى هذا التفسير، فهو يعرض لذكر أسباب النزول، والقراءات، والإعراب، ويبين الغريب من ألفاظ القرآن، ويحتكم كثيراً إلى اللُّغة، ويُكثر من الاستشهاد بأشعار العرب، ويرد على المعتزلة، والقدرية، والروافض، والفلاسفة، وغلاة المتصوفة، ولم