ومثلاً عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية [١٧٣] من سورة البقرة: {فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فلا إِثْمَ عَلَيْهِ} .. نراه يعقد المسألة الثانية والثلاثين من مسائل هذه الآية فى اختلاف العلماء فيمن اقترن بضرورته معصية، فيذكر أن مالكاً حظر ذلك عليه. وكذا الشافعى فى أحد قوليه، وننقل عن ابن العربى أنه قال:"عجباً ممن أبيح له ذلك مع التمادى على المعصية، وما أطن أحداً يقوله، فإن قاله فهو مخطىء قطعاً"، ثم يعقب القرطبى على هذا كله فيقول:"قلت: الصحيح خلاف هذا. فإن إتلاف المرء نفسه فى سفر المعصية أشد معصية مما هو فيه، قال الله تعالى فى الآية [٢٩] من سورة النساء: {وَلاَ تقتلوا أَنْفُسَكُمْ} وهذا عام ولعله يتوب فى ثانى الحال. فمتحو التوبة عنه ما كان".
ومثلاً عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية [١٨٥] من سورة البقرة: {شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن} ... . الآية، نجده يعقد المسألة السابعة عشرة من المسائل التى تتعلق بهذه الآية فى اختلاف العلماء فى حكم صلاة عيد الفطر فى اليوم الثانى، فيذكر عن ابن عبد البر أنه لا خلاف عن مالك وأصحابه أنه لا تُصَلَّى صلاة العيد فى غير يوم العيد، ويذكر عنه أيضاً أنه قال:"لو قُضِيَت صلاة العيد بعد خروج وقتها لأشبهت الفرائض، وقد أجمعوا فى سائر السنن أنها لا تُقضى، فهذه مثلها"، ثم يُعَقِّب القرطبى على هذا فيقول:"قلت: والقول بالخروج - يعنى لصلاة العيد فى اليوم الثانى - إن شاء الله أصح، للسُّنَّة الثابتة فى ذلك، ولا يمتنع أن يستثنى الشارع من السُنَن ما شاء، فيأمر بقضائه بعد خروج وقته، وقد روى الترمذى عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن لم يُصَلِّ ركعتى الفجر فليُصَلِّهما بعد ما تطلع الشمس" قلت: وقد قال علماؤنا: مَن ضاق عليه الوقت، وصَلَّى الصبح، وترك ركعتى الفجر، فإنه يصليهما بعد طلوع الشمس إن شاء، وقيل: لا يصلهما حينئذ، ثم إذا قلنا يصليهما.. فهل ما يفعله قضاء؟ أو ركعتان ينوب له ثوابهما عن ثواب ركعتى الفجر؟ قال الشيخ أبو بكر: وهذا الجارى على أصل المذهب، وذِكْر القضاء تجوُّز. قلت: ولا يبعد أن يكون حكم صلاة الفطر فى اليوم الثانى على هذا الأصل، لا سيما مع كونها مرة واحدة فى السنة، مع ما ثبت من السُّنَّة. ثم روى عن النسائى بسنده: "أن قوماً رأوا الهلال فأتوا النبى صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يفطروا بعد ما ارتفع النهار، وأن يخرجوا إلى العيد من الغد. وفى رواية: ويخرجوا لمُصَلاهم من الغد".
ومثلاً نجده عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية [١٨٧] من سورة البقرة: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام الرفث إلى نِسَآئِكُمْ} ... . الآية، نجده فى المسألة الثانية عشرة من مسائل هذه