للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر من العلوم التى عنى بها العرب وأكثرها باطل أو جميعها: علم العيافة، والزجر، والكهانة، وخط الرمل، والضرب بالحصى، والطَيْرة، قال: "فأبطلت الشريعة من ذلك الباطل، ونهت عنه كالكهانة، والزجر، وخط الرمل. وأقرت الفأل لا من جهة تَطلُّب الغيب، فإن الكهانة والزجر كذلك، وأكثر هذه الأمور تَخرُّص على علم الغيب من غير دليل، فجاء النبى صلى الله عليه وسلم بجهة من تعرف علم الغيب مما هو حق محض، وهو الوحى والإلهام، وبقى للناس من ذلك بعد موته عليه السلام جزء من النبوة وهو الرؤيا الصالحة، وأنموذج من غيره لبعض الخاصة وهو الإلهام والفراسة".

ثم بعد هذا البيان الذى أوضح فيه الشاطبى أن الشريعة فى تصحيح ما صححت وإبطال ما أبطلت قد عرضت من ذلك إلى ما تعرفه العرب من العلوم، ولم تخرج عما ألفوه، نراه يزيد هذا البيان إسهاباً وإيضاحاً، ويتوجه باللَّوم إلى مَن أضافوا للقرآن كل علوم الأوَّلين والآخرين، مفنداً هذا الزعم، الذى اعتقد أن قائليه قد تجاوزوا به الحد فى دعواهم على القرآن. وذلك حيث يقول فى المسألة الرابعة من مسائل النوع الثانى من المقاصد - أعنى مقاصد وضع الشريعة للإفهام - "ما تقرر من أُمِّية الشريعة وأنها جارية على مذاهب أهلها - وهم العرب - ينبنى عليه قواعد: منها: أن كثيراً من الناس تجاوزوا فى الدعوى على القرآن الحد، فأضافوا إليه لك علم يُذكر للمتقدمين والمتأخرين من علوم الطبعيات والتعاليم كالهندسة وغيرها من الرياضيات، والمنطق وعلم الحروف، وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها، وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح".

ثم يصحح الشاطبى رأيه هذا ويحتج له بما عُرِف عن السَلَف من نظرهم فى القرآن فيقول: " ... إن السَلَف الصالح - من الصحابة والتابعين ومن يليهم - كانوا أعرف بالقرآن وبعلومه وما أُودع فيه، ولم تبلغنا أنه تكلم أحد منهم فى شىء من هذا المدَّعى سوى ما تقدم، وما ثبت فيه من أحكام التكاليف، وأحكام الآخرة، وما يلى ذلك، ولو كان لهم فى ذلك خوض ونظر لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة، إلا أن ذلك لم يكن فدل على أنه غير موجود عندهم، وذلك دليل على أن القرآن لم يُقصد فيه تقرير لشىء مما زعموا. نعم تضمن علوماً من جنس علوم العرب أو ما ينبنى على معهودها مما يتعجب منه أُولوا الألباب، ولا تبلغه إدراكات العقول الراجحة، دون الاهتداء بأعلامه، والاستنارة بنوره، وأما أن فيه ما ليس من ذلك فلا".

ثم أخذ الشاطبى بعد هذا فى ذكر ما استند إليه أرباب التفسير العلمى من الأدلة فقال: "وربما استدلوا على دعواهم بقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب تِبْيَاناً لِّكُلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>