للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رحابه.. لولا هذا لأصاب المسلمين من هؤلاء المضللين شر مستطير، ولنتج عن أفكارهم وأهوائهم فتنة فى الأرض وفساد كبير.

وأنا إذ أعرض لهذا اللَّون من التفسير، لا أريد أن أذكر أحداً من أصحابه باسمه ولقبه، إذ ربما كان هذا سبباً للفتنة، وباعثاً على العداوة، وكثير منهم أحياء يُرزقون، ويكفى أن أضع يد القارئ على المراجع التى أنقل عنها تفسير هؤلاء القوم، وآراءهم فى القرآن الكريم، وهى مراجع ميسورة لكل من يريد أن يرجع إليها ويطلع عليها.

وجدنا من أصحاب هذا اللًَّون من ألوان التفسير، رجلاً يكتب بحثاً طويلاً تحت عنوان: "القرآن والمفسِّرون" وفيه يعرض لنواحى التقصير فى تفسير كافة المفسِّرين لكتاب الله تعالى، ويحمل عليهم حملة شديدة نكراء، ويوجه إليهم جميعاً نقده الساخر، ولومه اللاذع، بدون أن يستثنى منهم مفسِّراً واحداً على كثرتهم، وكثرة المعتدلين منهم.

رأيناه يتهم المُفسِّرين جميعاً بأنهم تأثروا فى تفاسيرهم بعقائدهم، فأمالوا آيات القرآن نحو آرائهم، فى تعسف ظاهر، وتكلف غير مقبول. ورأيناه يرميهم جميعاً بأنهم كثيراً ما يكتفون بذكر إسرائيليات ليس لها سند أصلاً، فضلاً عن طمعهم فى تصحيح هذه الأسانيد المكذوبة، ونراه يذكر لهذا الاتهام الأخير مثلاً من أقوالهم فى تفسير قصة أيوب عليه السلام، ثم يأخذ فى تفنيد ما ذهبوا إليه، وإبطال ما قالوا به، بأدلة كثيرة ذكرها، وبعد هذا كله تناول هو قوله تعالى فى الآيات [٤١-٤٤] من سورة (ص) : {واذكر عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشيطان بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * اركض بِرِجْلِكَ هاذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وذكرى لأُوْلِي الألباب * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فاضرب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ العبد إِنَّهُ أَوَّابٌ} .

تناول الكاتب هذه الآيات، فشرحها شرحاً يخالف ما ذهب إليه المفسِّرون جميعاً، مدَّعياً أن ما ذهب إليه هو الذى يساير كل ما ورد من آيات القصص فى القرآن، ومؤكداً أنه هو الذى يتفق مع بلاغة القرآن، وقدسية الأنبياء، فقال: "يجب أن ننظر فى الآية نظرة أُخرى - يعنى خلاف ما عليه المفسِّرون - تساير بها نظائرها من آيات القصص، ونحن إذا التفتنا إلى ما فى هذه الآية من أن أيوب عليه السلام قد عَزَى النُصْب والعذاب للشيطان فقال: {مَسَّنِيَ الشيطان بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} كان ذلك مانعاً كل المنع من أن يُراد بالنُصْب والعذاب داء أصاب أيوب، وكان من نتائجه ما ذكره المفسِّرون.. إذ الشيطان لا يملك للإنسان إلا أن ينزغه، ويوسوس إليه، فيلويه عن الخير إلى الشر، وعن العزم فى سبيل الغاية إلى التردد والهزيمة، وإنه ما من نبى ولا رسول إلا وقد نزل به هذا المصاب.. مصاب إعراض الناس واستهوائهم بالدعوة والداعين، وصد

<<  <  ج: ص:  >  >>