للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى أقوال المتقدمين فيقول: "التفسير عند قومنا اليوم ومن قبل اليوم بقرون، هو عبارة عن الاطلاع على ما قاله بعض العلماء فى كتب التفسير، على ما فى كلامهم من اختلاف يتنزه عنه القرآن: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً} [النساء: ٨٢] ، وليت أهل العناية بالاطلاع على كتب التفسير يطلبون لأنفسهم معنى تستقر عليه أفهامهم فى العلم بمعانى الكتاب، ثم يبثونه فى الناس ويحملونهم عليه، ولكنهم لم يطلبوا ذلك، وإنما طلبوا صناعة يفاخرون بالتفنن فيها، ويمارون فيها من يباريهم فى طلبها، ولا يخرجون لإظهار البراعة فى تحصيلها عن حد الإكثار من القول، واختراع الوجوه من التأويل والإغراب فى الإبعاد عن مقاصد التنزيل.

"إن الله تعالى لا يسألنا يوم القيامة عن أقوال الناس وما فهموه، وإنما يسألنا عن كتابه الذى أنزله لإرشادنا وهدايتنا، وعن سُنَّة نبينا الذى بيَّن لنا ما نُزِّل إلينا: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] ..

"يسألنا هل بلغتكم الرسالة؟ هل تدبرتم ما بُلِّغْتُم؟ هل عقلتم ما عنه نُهيتم وما به أُمرتم؟ وهل عملتم بإرشاد القرآن، واهتديتم بهدَى النبى، واتبعتم سُنَّته؟ عجباً لنا ننتظر هذا السؤال ونحن فى هذا الإعراض عن القرآن وهَديه، فيا للغفلة والغرور".

كما وجدناه يُعَرِّف لنا الفهم الصحيح للقرآن فيقول: " ... وأعنى بالفهم ما يكون عن ذوق سليم تصيبه أساليب القرآن بعجائبها، وتملكه مواعظه فتشغله عما بين يديه مما سواه. لا أُريد الفهم المأخوذ بالتسليم الأعمى من الكتب أخذاً جافاً، لم يصحبه ذلك الذوق وما يتبعه من رقة الشعور ولطف الوجدان، اللَّذين هما مدار التعقل والتأثر والفهم والتدبر".

ومما يُذكر فى هذا المقام أنه "لما أبدى الأستاذ الإمام رأياً طريفاً فى تفسير بعض الآيات، قال له أحد المجاورين: إن ما قلته لا يوافق عليه الجمل - يعنى بالجمل أحد المؤلفين ممن كتبوا الحواشى على تفسير الجلالين - فقال الأستاذ على الفور: إننى أقرر ما يدل عليه المعنى الجليل، والكلام البليغ، ولا يعنينى أوافق عليه الجمل أو الحمار".

كل هذا يدلنا على أن الأستاذ الإمام كان حراً فى تفكيره وفهمه للقرآن، صريحاً فى نقده ونُصحه للتفسير والمفسِّرين، جريئاً فى ثورته على القديم، ودعوته إلى التحرر مما أحاط بالعقول من القيود، وما أوغلت فيه من الركود والجمود.

هذا.. وإن الأستاذ الإمام لم يكن كغيره من المفسِّرين الذين كَلفوا بالإسرائيليات

<<  <  ج: ص:  >  >>