للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى تصوير إرم ذات العماد، كان يجب أن يُنزَّه عنها كتاب الله، فإذا وقع إليكَ شىء من كتبهم، ونظرتَ فى هذا الموضع منها، فتخط ببصرك ما تجده فى وصف إرم، وإياك أن تنظر فيه".

ومثلاً عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآيات [٦-٩] من سورة القارعة: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} .. نجده يقول: " وتقدير الله الأعمال وما تستحقه من الجزاء فى ذلك اليوم، إنما يكون على حسب ما يعلم، لا طريقة ما نعلم، فعلينا أن نفوِّض الأمر فيه إليه سبحانه على الإيمان به، ومن عجيب ما قال بعض المفسِّرين: "إنه ميزان بلسان وكفَّتين كأطباق السموات والأرض، ولا يعلم ماهيته إلا الله" فماذا بقى من ماهيته بعد لسانه وكفَّتيه حتى يُفوَّض العلم فيه إلى الله؟ والكلام فيه جرأة على غيب الله بغير نص صريح متواتر عن المعصوم، ولم يرد فى الكتاب إلا كلمة "ميزان"، وقد عرفت ما يمكننا أن نفهم منها لننتفع بما نعتقد، وما عدا ذلك فعلمه إلى الله سبحانه. وقد قالوا: إن منكر الميزان بالمعنى المعروف لا يكفر، إذا كان القائل به يحدد له لساناً وكفَّتين، مع أن البَشر اخترعوا من الموازين ما هو أتقن من ذلك وأضبط وأوفى ببيان الموزون. أفيأبى الحكيم الخبير إلا استعمال ذلك الميزان الخشن الناقص الذى هدى العلم عقول البَشر إلى ما هو أدق منه؟ أيأبى عالِمُ الغيب والشهادة أن يستعمل فى وزن المعانى والمعقولات إلا ذلك الميزان الذى اخترعه بعض البَشر قبل أن يبلغ بهم العلم ما بلغ بأهل العصر الحاضر وما سيبلغ بأهل العصور المقبلة؟ على أن جميع ما اخترع البَشر وما يخترعون مهما دقَّ ولَطُف، إنما هو معيار الأثقال الجسمانية، والأوزان المحسوسة، وهلا يكون الأليق بالمقام الإلهى أن يكون ميزان المعانى المعقولة لديه أسمى وأعلى من أن يكون على نمط ما يستعمله البَشر، مهما ارتقت المعارف وسمت بهم العلوم؟ وهل يليق بمن يخاف مقام ربه أن يجرؤ على القول بوجوب الاعتقاد بأن الميزان الذى يزن الله به الأعمال يوم القيامة هو الميزان الذى تستعمله القبائل التى لم تزل فى مهد الإنسانية الأُولى؟.. ميزان ضعفاء العقول قصار الأنظار، الذين لا يعرفون قيمة للإيمان بالغيب، ولا لحياء العقل من الله، وإطراقه عن أن ينظر إلى ما تشامخ من غيوب الله تعالى علمه، وتعاظمت قدرته.

"عليك أيها المؤمن المطمئن إلى ما يخبر الله به أن توقن أن الله يزن الأعمال، ويميز لكل عمل مقداره. ولا تسل كيف يزن، ولا كيف يُقَدِّر، فهو أعلم بغيبه، والله يعلم وأنتم لا تعلمون".

* *

<<  <  ج: ص:  >  >>