الشخص بَرا ولا باراً حتى يكون للناس من كسبه ومن نفسه نصيب فلا يغترَّن أُولئك الكسالى الخاملون، الذين يظنون أنهم يدركون مقام الأبرار بركعات من الخشية خاليات، وبتسبيحات وتكبيرات وتحميدات ملفوظات غير معقولات، وصيحات غير لائقات بأهل المروءة من المؤمنين والمؤمنات، ثم بصوم أيام معدودات، لا يجتنب فيها إيذاء كثير من المخلوقات، مع عدم مبالاة الواحد منهم بشأن الدين قام أم أسقط، ارتفع أو انحط. ومع حرصه وطمعه لما فى أيدى الناس، واعتقاده الاستحقاق لما عندهم، لا لشىء سوى أنهم عاملون فى كسب المال وهو غير عامل، وهم يجرون على سُنَّة الحق وهو مستمسك بسُنَّة الباطل، وهم يتجملون بحلية العمل وهو منها عاطل، فهؤلاء ليسوا من الأبرار، بل يجدر بهم أن يكونوا من الفُجَّار".
ومثلاً عندما تعرَّض لقوله تعالى في أول سورة العاديات:{والعاديات ضَبْحاً * فالموريات قَدْحاً * فالمغيرات صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً}[العاديات: ١-٥] .. نجده يقول: "وكان فى هذه الآيات القارعات، وفى تخصيص الخيل بالذكر فى قوله:{وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخيل تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ}[الأنفال: ٣] ، وفيما ورد فى الأحاديث التى لا تكاد تُحصر ما يحمل كل فرد من رجال المسلمين على أن يكون فى مقدمة فرسان الأرض مهارة فى ركوب الخيل، ويبعث القادرين منهم على قنية الخيل على التنافس فى عقائلها، وأن يكون فن السباق عندهم يسبق بقية الفنون إتقاناً، أفليس من أعجب العجب عندهم أن ترى أُمماً هذا كتابها قد أهملت شأن الخيل والفروسية، إلى أن صار يُشار إلى راكبيها بينهم بالهزء والسخرية، وأخذت كرام الخيل تهجر بلادهم إلى بلاد أُخرى؟ أليس أغرب ما يُستغرب أن أُناساً يزعمون أن هذا الكتاب كتابهم، يكون طُلاب العلوم الدينية منهم أشد الناس رهبة من ركوب الخيل، وأبعدهم عن صفات الرجولية، حتى وقع من أحد أساتذتهم المشار إليهم بالبنان عندما كنت أكلمه فى منافع بعض العلوم وفوائدها فى علم الدين أن قال:"إذا كان كل ما يفيد فى الدين نُعَلِّمه لطلبة العلم، كان علينا إذن أن نعلمهم ركوب الخيل"! يقول ذلك ليفحمنى وتقوم له الحُجَّة علىّ، كأن تعليم ركوب الخيل مما لا يليق ولا ينبغى لطلبة العلم، وهم يقولون إن العلماء ورثة الأنبياء، فهل هذه الأعمال وهذه العقائد تتفق مع الإيمان بهذا الكتاب؟ أنصف ثم احكم".
ومثلاً عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية [٣] من سورة الماعون: {وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين} .. نجده يقرر: أن قوله: {وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين} ، كناية