كذلك نجد صاحب المنار يصرف بعض ألفاظ القرآن عن ظواهرها، ويعدل بها إلى ناحية المجاز أو التشبيه، وذلك فيما يبدو مستبعداً ومستغرباً لو أُجرى على حقيقته، وهذا المسلك الذى جرى عليه الشيخ رشيد هو مسلك شيخه، ومسلك الزمخشرى وغيره من المعتزلة، الذين اتخذوا التشبيه والتمثيل سبيلاً للفرار من الحقائق التى يُصَرِّح بها القرآن، ولا تعجز عنها قدرة الله، وإن بعدت عن منال البَشر.
فمثلاً نجد صاحب المنار عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية [٤٧] من سورة النساء: {يَا أَيُّهَآ الذين أُوتُواْ الكتاب آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا على أَدْبَارِهَآ} ... الآية، نراه يستظهر أن المعنى المراد هنا هو:"آمِنُوا بما نَزَّلنا مصدِّقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوه مقاصدكم التى توجهتم إليها فى كيد الإسلام، ونردها خاسئة خاسرة إلى الوراء، بإظهار الإسلام ونصره عليكم، وفضيحتكم فيما تأتونه باسم الدين والعلم الذى جاء به الآنبياء، وقد كان لهم عند نزول الآية شىء من المكانة والمعرفة والقوة، فهذا ما نفسِّرها به، على جعل الطمس والرد على الأدبار معنويين".. ثم سرد بعض أقوال المفسِّرين فى هذه الآية، ثم بيَّن أن ما اختاره هو رأى شيخه الذى مال إليه فى دروسه.
* *
* رأيه فى السحر:
ثم إن صاحب المنار لا يرى السحر إلا ضرباً من التمويه والخداع، وليس له حقيقة كما يقول أهل السُّنَّة، وهو يوافق بهذا القول قول شيخه وقول المعتزلة من قبله، ولهذا نراه عندما فسَّر قوله تعالى فى الآية [٧] من سورة الأنعام: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الذين كَفَرُواْ إِنْ هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} ... نجده يقول:"والآية تدل على أن السحر خداع باطل، وتخييل يرى ما لا حقيقة له فى صورة الحقائق".
هذا.. ولم يستطع الشيخ رشيد أن يرد حديث البخارى فى سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فعل شيخه، ولكنه تأوَّل الحديث على أنه كان من قبيل العقد عن النساء، وبيَّن أن عذر مَن طعن فى الحديث هو أن هشاماً - راوى الحديث عن أبيه عن عائشة - مطعون فيه من كثير من أئمة الجرح والتعديل.