الحق أن عِكرمة تابعى موثوق بعدالته ودينه، وكل ما رُمِىَ به كذب واختلاق!!
* *
* مبلغه من العلم ومكانته فى التفسير:
هذا وإن عِكرمة رضى الله عنه، كان على مبلغ عظيم من العلم، وعلى مكانة عالية من التفسير خاصة، وقد شهد له العلماء بذلك، فقال ابن حبان: كان من علماء زمانه بالفقه والقرآن. وقال: عمرو بن دينار: دفع إلىّ جابر ابن زيد مسائل أسأل عنها عِكرمة وجعل يقول: هذا عِكرمة مولى ابن عباس، هذا البحر فسلوه. وكان الشعبى يقول: ما بقى أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة. وقال حبيب بن أبى ثابت: اجتمع عندى خمسة: طاووس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعِكرمة، وعطاء، فأقبل مجاهد وسعيد بن جبير يلقيان على عِكرمة التفسير، فلم يسألاه عن آية إلا فسَّرها لهما، فلما نفد ما عندهما جعل يقول: أُنزلت آية كذا فى كذا، وأُنزلت آية كذا فى كذا. وقال يحيى بن أيوب المصرى: سألنى ابن جريج: هل كتبتم عن عِكرمة؟ فقلت: لا، قال: فاتكم ثلثا العلم.
هذا بعض ما قيل فى عكرمة، مما يشهد لمكانته فى العلم عامة، وفى التفسير خاصة، ولا عجب، فإن ملازمته لمولاه ابن عباس، ومبالغه مولاه فى تعليمه إلى درجة أنه ان يضع فى رجله الكبل، ويعلمه القرآن والسنن، جعلته ينهل من معينه الفيَّاض، ويأخذ عنه علمه الغزير، بل نجد أكثر من هذا فيما يرويه ابن حجر فى تهذيب التهذيب، من أن عكرمة بيَّن لابن عباس بعض ما أشكل عليه من القرآن، قال: روى داود بن أبى هند عن عكرمة قال: قرأ ابن عباس هذه الآية: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً}[الأعراف: ١٦٤] ..، قال ابن عباس: لم أدر أنجا القوم أم هلكوا؟ قال: فمَا زلت أُبيِّن له حتى عرف أنهم نجوا فكسانى حُلَّة"، وهذا الخبر يدل على مبلغ ثقة ابن عباس بمولاه وتلميذه، وعلى مقدار إعجابه بعلمه، وتقديره لفهمه.
وجملة القول: فإن عكرمة أمين فى روايته، مُقدَّم فى علمه، مبرز فى فهمه لكتاب الله ... وكيف لا يكون كذلك وهو وارث علم ابن عباس؟
توفى رحمه الله سنة ١٠٤ هـ (أربع ومائة من الهجرة) ، فرضى الله عنه وأرضاه.