العبودية، ومنه مَن قال: هو طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقيل غير ذلك فهذه كلها أقوال لا منافاة بينها ولا تباين، بل كلها متفقة فى الحقيقة، لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن، وهو طاعة الله ورسوله، وهو طريق العبودية لله، فالذات واحدة، وكلُّ أشار إليها ووصفها بصفة من صفاتها.
ثانياً: أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع على النوع، لا على سبيل الحد المطابق للمحدود فى عمومه وخصوصه.
مثال ذلك ما نقل فى قوله تعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات بِإِذُنِ الله}[فاطر: ٣٢] فبعضهم فَسَّر السابق بمن يصلَى فى أول الوقَت، والمقتصد بمن يصَلَى فى أثنائه، والظالم بمن يصلى بعد فواته. وبعضهم فسَّر السابق بمن يؤدى الزكاة المفروضة مع الصدقة، والمقتصد بمن يؤديها وحدها، والظالم بمانع الزكاة، فكل من المفسِّرين ذكر فرداً من أفراد العام على سبيل التمثيل لا الحصر، لتعريف المستمع أن الآية تتناول المذكور، ولتنبيهه به على نظيره، فإن التعريف بالمثال قد يكون أسهل من التعريف بالحد المطابق. والعقل السليم يتفطن للنوع بذكر مثاله. وهذا الاختلاف فى ذكر المثال لا يؤدى إلى التباين والتناقض بين الأقوال، إذ من المعلوم أن الظالم لنفسه يتناول المُضيِّع للواجبات والمنتهك للحُرُمات، والمقتصد يتناول فاعل الواجبات وتارك المحرَّمات. والسابق يتناول مَن تقرَّب بالحسنات مع الواجبات.
ومن هذا القبيل أن يقول أحدهم: نزلت هذه الآية فى كذا، ويقول الآخر: نزلت فى كذا، كل يذكر غير ما يذكره صاحبه، لأن كلاً منهم يذكر بعض ما يتناوله اللفظ، وهذا لا تنافى فيه ما دام اللفظ يتناول قول كل منهما.
أما إذا قال أحدهم: سبب نزول هذه الآية كذا، وقال الآخر: سبب نزول هذه الآية كذا، وكل ذكر غير ما ذكره الآخر، فيمكن أن يقال: إن الآية نزلت عقب تلك الأساب، أو تكون نزلت مرتين: مرة لهذا السبب، ومرة لهذا السبب.
ثالثاً: أن يكون اللفظ محتملاً للأمرين أو الأمور، وذلك إما لكونه مشتركاً فى اللغة، كلفظ "قَسوَرَة"، الذى يراد به الرامى ويراد به الأسد، ولفظ "عَسْعَسَ"، الذى يراد به إقبال الليل ويراد به إدباره. وإما لكونه متواطئاً فى الأصل لكن المراد به أحد النوعين، أو أحد الشخصين، كالضمائر فى قوله تعالى:{ثُمَّ دَنَا فتدلى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أدنى}[النجم: ٨-٩] .. وكلفظ:{والفجر * وَلَيالٍ عَشْرٍ * والشفع والوتر}[الفجر: ١-٣] .. وما ماثل ذلك، فمثل هذا قد يجوز أن يراد به كل المعانى التى قالها السَلَف، وذلك إما لكون الآية نزلت مرتين، فأريد بها هذا تارة وهذا تارة. وإما لكون اللفظ المشترك يجوز أن يراد به معنياه أو معانيه، وهذا يقول به أكثر الفقهاء من