الإجماع - جرأة عظيمة (!) وكيف يمكن دعوى الإجماع بل الشهرة المطلقة على مسألة خالفها جمهور القدماء وجل المحدثين وأساطين المتأخرين، بل رأينا كثيراً من كتب الأصول خالية عن ذكر هذه المسألة، ولعل المتتبع يجد صدق ما قلناه، ومع ذلك كله فالمتبع هو الدليل، وإن لم يذهب إليه إلا قليل كما قال السيد المرتضى - رحمه الله - في بعض مسائله: لا يجب أن يوحش من المذهب قلة الذاهب إليه والعاثر عليه، بل ينبغي ألا يوحش منه إلا ما لا دلالة له تعضده ولا حجة تعمده، وقال المفيد في موضع من المقالات: ولم يوحشني من خالف فيه؛ إذ بالحجة له أتم أنس ولا وحشة من حق" (١) .
نلاحظ من خلال هذه الكلمات أن هناك وميض نار مشتعلة بين فريقين وكل يدعي الشهرة والأحقية لمذهبه.. وأن هذا الرجل قد ارتدى ثوب الواعظ كما يصنع الشيطان أحياناً وراح يدعو قومه إلى نار جنهم وبئس المصير، وينادي بأن قوله هو الذي عليه الدليل من كتبهم، وهو الأصل الذي عليه قدماء الشيعة، وخلافه قول طارئ على مذهبهم، ودعوى الإجماع عليه أو الشهرة في نظره جرأة عظيمة.
إذن هناك - بلاشك - فئة من الشيعة لم تعد تهضم هذا المعتقد، وقد كثر أتباعها، ولهؤلاء - فيما يظهر - ألَّف صاحب فصل الخطاب كتابه ليردهم عن هذا الطريق الذي سلكوه، ويرفع عنهم تلك العماوة التي غشيتهم في نظره ويقول: إن الدليل أحق أن يتبع، وإن لم يذهب إليه أحد. وكأنه استوحش من مذهبه، والكفر كهف موحش مخيف، وخاف تقلص أتباعه واندراس أشياعه فراح يدعو إلى عدم الوحشة عند القلة فهي في نظره عنوان الحق على هذا القول، ومن الغريب أن يستعير كلمات الشريف المرتضى الذي يتبرأ من هذا الكفر، ويكفر من قاله، ويعظ بها قومه ويدعوهم إلى هذا الإلحاد.