للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأنت ترى أن هذا النفي المحض الذي استقاه من ركام الفلاسفة وغثاء الملاحدة يتضمن نفي الوجود الحق {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (١) .

وليس هذا بجديد، فهو سبيل من زاغ وحاد عن منهج الرسل عليهم السلام "من الكفار والمشركين والذين أوتوا الكتاب ومن دخل في هؤلاء من الصابئة (٢) . والمتفلسفة والجهمية (٣) . والباطنية (٤) . ونحوهم. فإنهم يصفونه سبحانه بالصفات


(١) الصافات، آية: ١٨٠-١٨٢
(٢) ذهب جملة من الصابئة إلى وصف الله سبحانه بالسلوب، ولذلك قال البيروني عن صابئة حران: إنهم يصفون الله سبحانه بالسلب لا بالإيجاب كقولهم: لا يحد ولا يرى ولا يظلم ولا يجور، ويسمونه بالأسماء الحسنى مجازًا إذ ليس عندهم صفة بالحقيقة، وينسبون التدبير إلى الفلك وأجرامه (الآثار الباقية عن القرون الخالية ص٢٠٥) .
وطائفة الصابئة عمومًا اختلف في أمرها فقد أخرج الطبري بسنده عن مجاهد وغيره أنهم قالوا: "الصابئون قوم بين المجوس واليهود والنصارى ليس لهم دين". (انظر: تفسير الطبري: ٢/١٤٦ من تحقيق أحمد ومحمود شاكر) . وهذا ما رجحه ابن كثير (انظر: تفسير ابن كثير: ١/١٠٧) ، واختار الرازي أن الصابئين قوم يعبدون الكواكب في زمان إبراهيم (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص١٤٣) ويذكر الشهرستاني أن الفرق في زمان إبراهيم يرجعون إلى صنفين: صابئة وحنفاء (الملل والنحل: ١/٢٣٠) . وأنهم بحكم ميلهم عن سنن الحق وزيغهم عن نهج الأنبياء قيل لهم الصابئة، لأن صبأ في اللغة بمعنى مال وزاغ (المصدر السابق: ٢/٥) وانظر عن الصابئة (بالإضافة لما أشي إليه من مصادر) : التبصير في الدين للإسفراييني ص٥٩، الرد على المنطقيين لابن تيمية ص٢٨٧-٢٨٩، ٤٥٤-٤٥٧، الخطط للمقريزي: ٢/٣٤٤
(٣) الجهمية: أتباع الجهم بن سفوان. من ضلالاته القول بنفي الصفات وبدع أخرى كالقول بالإرجاء، والجبر، وفناء الجنة والنار. (انظر عن الجهم والجهمية: الرد على الجهمية للإمام أحمد ص٦٤ وما بعدها، خلق أفعال العباد للبخاري ص١١٨ وما بعدها، الأشعري/ مقالات الإسلاميين: ١/٢١٤ وما بعدها، التنبيه والرد/ للملطي ص٢١٨، التبصير في الدين/ للإسفراييني ص٦٣، والبدء والتاريخ/ للمقدسي: ٥/١٤٦، تاريخ الجهمية والمعتزلة للقاسمي وغيرها) . ومصطلح الجهمية لم يعد مختصًا بالجهمية المحضة أتباع جهم بن صفوان. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن السلف كانوا يسمون كل من نفى الصفات وقال: إن القرآن مخلوق وإن الله لا يرى في الآخرة - جهميًا" (مجموع الفتاوى: ١٢/١١٩) ، وقال في موضع آخر: "ومن الجهمية: المتفلسفة والمعتزلة الذين يقولون: إن كلام الله مخلوق.." (المصدر السابق: ١٢/٥٢٤)
(٤) الباطنية: من ألقاب الإسماعيلية ومر التعريف بها ص: (٩٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>