للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد أضاف الله سبحانه علم الغيب إلى نفسه في غير ما آية من كتابه، فلا يظهر على غيبه إلا من اصطفى من رسله (١) ، وهذا هو الغيب المطلق المحجوب عن جميع الخلق (٢) .

وقد عثرت وسط هذا الركام من هذه الدعاوى الغبية الملحدة حول الأئمة على بعض النصوص التي روتها كتب الشيعة والتي تجرد الأئمة من هذه الصفات التي خلعوها عليهم، وهي لا تنبغي إلا للحق جل شأنه.

قال أبو عبد الله - كما يروي صاحب الكافي -: "يا عجبًا لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب، ما يعلم الغيب إلا الله عز وجل، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت مني، فما علمت في أي بيوت الدار هي.." (٣) .

ولو كان أبو عبد الله - كما يزعم الكليني في أبوابه التي عقدها بعد ذكره لهذا النص - لو كان يعلم ما يكون ولا يخفى عليه الشيء، وإذا شاء أن يعلم - علم لم يخف عليه موضع الجارية.

وكان الأئمة من قديم يشكون من مزاعم هؤلاء الذين جمع أقوالهم صاحب


(١) انظر هذا المعنى في تفسير القرطبي: ٧/٢، ٣
(٢) ذكر أهل العلم أن الغيب ينقسم إلى قسمين: غيب "مطلق" أو حقيقي وهو ما يعلمه وحده سبحانه دون ما سواه، وهو المقصود عند الإطلاق، وفيه يقول الله عز وجل: {قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} . وغيب "إضافي" أو مقيد وهو ما غاب علمه عن بعض المخلوقين دون بعض؛ كالذي يعلمه الملائكة عن أمر عالمهم وغيره ولا يعلمه البشر مثلاً. وأما ما يعلمه البشر بتمكينهم من أسبابه واستعمالهم لها ولا يعلمه غيرهم لجهلهم بتلك الأسباب أو عجزهم عن استعمالها فلا يدخل في عموم معنى الغيب الوارد في كتاب الله؛ لأنه غيب عمن غاب عنه من المخلوقين، ليس هو غيبًا عمن شهده. والناس كلهم قد يغيب عن هذا ما يشهده هذا، فيكون غيبًا مقيدًا ليس غيبًا مطلقًا غاب عن المخلوقين قاطبة.
(انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام: ١٦/١١٠، تفسير المنار: ٧/٤٢٢)
(٣) أصول الكافي: ١/٢٥٧

<<  <  ج: ص:  >  >>