المفضل بن عمرو الجعفي فيما رمي به من قبل بعض علماء الشيعة القدماء، يقول:"إنا قد بينا غير مرة أن رمي القدماء الرجل بالغلو لا يعتمد عليه ولا يركن إليه لوضوح كون القول بأدنكى مراتب فضائلهم (يعني الأئمة) غلواً عند القدماء، وكون ما نعده اليوم من ضروريات مذهب التشيع غلواً عند هؤلاء، وكفاك في ذلك عدّ الصدوق نفي السهو عنهم غلوًا، مع أنه اليوم من ضروريات المذهب، وكذلك إثبات قدرتهم على العلم بما يأتي (أي علم الغيب) بتوسط جبرائيل والنبي غلواً عندهم ومن ضروريات المذهب اليوم"(١) .
من هذا النص يتبين أن شيعة العصر الحاضر لم يكتفوا بمتابعة سابقيهم حتى زادوا عليهم في الغلو والتطرف حتى أن شيوخ الشيعة في القرن الرابع كالصدوق وغيره يرون أن من يعتقد أن الأئمة لا يسهون، أو أن الأئمة يعلمون ما يأتي أو حسب عبارة الكليني: يعلمون ما كان وما يكون، ولا يخفى عليهم الشيء. من يعتقد هذه العقائد وأمثالها هو في نظر كبار شيوخ الشيعة في ذلك العصر من الغلاة الذين لا تقابل رواياتهم عن الأئمة، ولكن المذهب تغير وأصبح ذلك اليوم من ضرورات مذهب التشيع، كما يعترف الممقاني، ومعنى هذا أن الشيعة المتقدمين يعتبرون - بناء على ذلك - المعاصرين من الغلاة ولا يثقون بأقوالهم.
ولاحظ أن الحكم بغلو أصحاب هذه العقائد صدر من قبل شيوخ الشيعة لا من قبل علماء السنة، ثم إن هذا رأيهم في القرن الرابع بعدما تغير التشيع وتطور، فكيف يكون موقف الشيعة الأول الذين كان تشيعهم هو في تقديم علي على عثمان فقط؟!
ولعل هذه الظواهر هي التي دعت الشيخ محب الدين الخطيب يحكم بأن مدلول الدين عند الشيعة يتطور، وأشار في هذا إلى كلام الممقاني السالف الذكر، ثم قال: "هذا تقرير علمي في أكبر وأحدث كتاب لهم في الجرح والتعديل يعترفون
(١) تنقيح المقال: ٣/٢٤٠، وانظر: ص (٣٧٣-٣٧٤) من هذه الرسالة