الحمد لله الذي فتق لسان العرب بأفصح لسان، وأبلغ بيان، وبه أنزل سبحانه القرآن واصطفى رسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - من خيار بني عدنان.
وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن الدراسات الفقهية تشكّل من تراثنا الإسلامي الضخم جانبًا مهمًا وبالغ الأثر والخطر في حياة الفرد والمجتمع حيث إنها تهيمن على أفعال المكلفين في إطار منهاج يبيّن ما يتحتّم عليهم من دقيق وجليل وما يندب في حقهم ويباح ويقرر لهم طرائق السلوك في العبادات والمعاملات، والجنايات والأقضية ونظام الأصة حيث إن كل لبنة من لبنات حياة المسلم تقوم على أساس معرفة الفقه والإلمام به والاطلاع على تفاصيله والعمل بأحكامه، فبهذا العِلم في الجملة تتفتق أسباب السعادة البشرية باعتبار ما يتضمنه من جلب المصالح ودرء المفاسد، وتوجيه مسار حياة الفرد والمجتمع إلى الاتجاه السليم والطريق المستقيم الذي يجمع خير الدنيا ونعيم الآخرة.
وانطلاقًا من هذه المفاهيم سعى جهابذة الفقهاء من الصحابة والتابعين والأئمة المتقدمين والمتأخرين إلى نشر هذا التراث الثري، وشمروا عن ساعد الجد في تمحيصه وتنظيمه، فكثرت على إثر ذلك الدراسات المختلفة المتنوعة التي تناولت جميع جوانب هذا الفن الهام رغبة في بيان معانيه وتوضيح غامضه وتفصيل أحكامه كي يكون غضًا في تناوله سهلًا في تطبيقه حرصًا على سعادة هذه الأمة في المعاش والمعاد.