وقد علم أن مصطلحات كل علم توجد معه أو بعده بالضرورة، ويسعى العلماء حين وجود الشيء إلى تسميته فتتم على أساس من العلاقة بين اللغة والاصطلاح - فالمصطلحات إذًا ضرورة علمية ووسيلة هامة من وسائل التعليم ونقل المعلومات وقد أصبحت لضرورتها تمثّل جزءًا مهمًا في المناهج العلمية ... (١) ".
فتحت ظل المصطلحات تجمع أفكار المتعلمين على دلالات واضحة، كما ينسج على منوالها ملتقى للعلماء في تناقل أفكارهم ومداركهم، إضافة إلى أنه على أساسها يمَوم التأليف والإنتاج، ثم التدوين.
فالمصطلح إذًا عملة نافقة ذات القيمة في سوق العلم والتعليم. فبواسطتها تعتدل العلوم وتأخذ مكانتها في الأهمية، وبفقدانها تنكسر وتتبعثر.
كما أن هناك حقيقة أخرى غفل عنها الكثير ممن بحثوا في هذا الفن واهتموا بنشر تراثه، أحببت الإشارة إليها وتجليتها فإنها ذات أهمية بالغة، لا يعيها إلاّ من جمع بين العلم والعمل، وقرن بين الفقه والفكر، وعاش للإسلام والمسلمين وهي أن تمسك الأمة بمصطلحاتها والتزامها بمواضعاتها - التي حدّدها لها - علماؤها وفقهاؤها دليل على استقلالها وعنوان لعزّتها وتثبيت لكرامتها وشخصيتها، وأداة بنّاءة في لم شملها لوحدتها، فهي بذلك تقاوم الانحلال والتفكك، والتحدي الوافد عليها في هذا المجال من هجنة في اللسان، وإقراف في المعان، ومنابذة لشريعة الإسلام.
إلا أن الأمة الإسلامية في واقعنا المعاصر غلب عليها الانطواء تحت لواء الأجنبي بالتبعية الماسخة، منصهرة في قالبه وعاداته وتعاليمه، ومن أسوأ تلك التبعيات ما وقعت فيه من إهدار لمصطلحاتها الشرعية، واستبدالها بمصطلحات دخيلة منبوذة لغة وشرعًا وحسًا ومعنى.
وهذا الابتلاء تمّ به الإجهاز على اللغة ومعانيها وفي مقدمتها
(١) انظر: (فقه النوازل لبكر بن عبد الله أبو زيد: ١/ ١٤٨).