للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رحمه الله -: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ (١) عَلَى أَنَّ الرَّقَبَةَ الَّتِي تَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي الْكَفَّارَةِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً حِينَ قَالَ: "وَعَلَيَّ رَقَبَةٌ (٢) فَأُعْتِقُهَا؟ " يَعْنِي: الْجَارِيَةَ الَّتِي لَطَمَ وَجْهَهَا، وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَبَبَ (٣) وُجُوبِ الرَّقَبَةِ عَلَيْهِ.

وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيْنَ اللَّهُ؟ " إِثْبَاتُ الْمَكَانِ لِلَّهِ - عز وجل -، وَلَكِنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - خَاطَبَهَا عَلَى قَدْرِ مَعْرِفَتِهَا، فَإِنَّهَا وَأَمْثَالَهَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ (٤) فِي الْأَوْثَانِ أَنَّهَا آلِهَةٌ فِي الْأَرْضِ، فَأَرَادَ يَعْرِفُ إِيمَانَهَا (٥)، فَقَالَ لَهَا: "أَيْنَ اللَّهُ؟ " حَتَّى إِذَا أَشَارَتْ إِلَى الْأَصْنَامِ عَرَفَ أَنَّهَا غَيْرُ مُؤْمِنَةٍ، فَلَمَّا قَالَتْ: "فِي السَّمَاءِ" عَرَفَ أَنَّهَا بَرِيئَةٌ مِنَ الْأَوْثَانِ، وَأَنَّهَا مُؤْمِنَةٌ بِاللَّهِ، الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرضِ إِلَهٌ، وَأَشَارَتْ إِلَى ظَاهِرِ مَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ، ثُمَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ: {مِنْ في السَّمَاءِ} (٦): مَنْ فَوْقَ السَّمَاءِ عَلَى الْعَرْشِ، كَمَا قَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (٧)، وَكُلُّ مَا عَلَا فَهُوَ سَمَاءٌ، وَالْعَرْشُ أَعْلَى السَّمَاوَاتِ، فَهُوَ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا أَخْبَرَ، بِلَا كَيْفٍ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، غَيْرُ مُمَاسٍّ لِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ، لَيْسِ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.


(١) في النسخ: "دلالته"، والمثبت من المختصر.
(٢) في النسخ: "رقبته"، والمثبت من المصدر السابق.
(٣) في النسخ: "بسبب"، والمثبت من المصدر السابق.
(٤) في (م) تقرأ: "يعتقدونه".
(٥) كذا في النسخ، وكتب ناسخ (م) على الطرة: "والصواب: فأراد أن يعرف إيمانها" ورقم فوقها.
(٦) سورة الملك (الآية: ١٦).
(٧) سورة طه (الآية: ٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>