أقوال كل واحد منهم بمبلغ علمي من كتاب الله - عَزَّ وَجَلَّ -، ثم بما جمعت من السنن والآثار في الفرائض والنوافل والحلال والحرام والحدود والأحكام، فوجدت الشافعي - رحمه الله - أكثرهم اتباعا وأقواهم احتجاجا وأصحهم قياسا وأوضحهم إرشادا، وذلك فيما صنف من الكتب القديمة والجديدة في الأصول والفروع وبأبين بيان وأفصح لسان، وكيف لا يكون كذلك وقد تبحر أولًا في لسان من ختم الله النبوة به وأنزل به القرآن مع كونه عربي اللسان قرشي الدار والنسب، من خير قبائل العرب، من نسل هاشم والمطلب، ثم اجتهد في حفظ كتاب الله - عَزَّ وَجَلَّ - وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وآثار الصحابة وأقوالهم وأقوال من بعدهم في أحكام الله - عَزَّ وَجَلَّ -، حتى عرف الخاص من العام، والمفسر من المجمل، والفرض من الأدب، والحتم من الندب، واللازم من الإباحة، والناسخ من المنسوخ، والقوي من الأخبار من الضعيف، والشاذ منها من المعروف، والإجماع من الاختلاف، ثم شبه الفرع المختلف فيه بالأصل المتفق عليه من غير مناقضة منه للبناء الذي أسسه، ولا مخالفة منه للأصل الذي أصله، فخرجت - بحمد الله ونعمته - أقواله مستقيمة وفتاواه صحيحة، وكنت قد سمعت من كتبه الجديدة ما كان مسموعًا لبعض مشايخنا، وجمعت من كتبه القديمة ما وقع إلى ناحيتنا، فنظرت فيها، وخرجت بتوفيق الله تعالى مبسوط كلامه في كتبه بدلائله وحججه".
[وفاته]
وبعد هذه الحياة العامرة بالعلم من تصنيف وتحديث وتدريس رحل الإِمام البيهقي عن هذه الدنيا في عاشر شهر جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين