أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ فقال: " اعملوا فكل ميسر لما خلق له, أما من كان
من أهل السعادة فسييسر لعمل السعادة, وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعلم الشقاوة
" ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى () وصدق بالحسنى} الآية " رواه على بن أبي طالب.
" عن علي - رضي الله عنه -: أنه قال عليه الصلاة والسلام: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من
النار ومقعده من الجنة " الحديث.
فيه إشارة إلى أن الله تعالى دبر أمر العباد وقدر أحوالهم في المعاد قبل وجودهم, ووهم يتشبث
به المجبرة المانعون للتكليف, ويتشكل به القدرية المنكرون للقدر, وهو أن السعادة والشقاوة
لو كانتا مقدرتين بحيث لا يتطرق إليهما التغير والتبدل لم تكن التكاليف والأعمال مفيدة, فإن من كتب مقعده من الجنة لا يزحزحه عن مقعده كفر وفسوق, ومن قدر مقعده من النار لا يخلصه عنه إيمان وخلوص.
وتنبيه على الجواب عنه: وهو أن الله تعالى دبر الأشياء على ما شاء, وربط بعضها ببعض, وجعلها أسبابا ومسببات, وإن كان يقدر على إيجاد الجميع ابتداء بلا أسباب ووسائط, كما
خلق المباديء والأسباب, لكنه أمر اقتضته حكمته وسبقت به كلمته وجرت عليه عادته, فمن
قدر أنه من أهل الجنة قدر له ما يقربه إليها من الأعمال, ووفقه لذلك بإقداره وتمكينه منه
وتحريضه عليه بالترغيب والترهيب, وألان قلبه لقبول الحق, وأرشده للتمييز بين الباطل والحق
ومن قدر