للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= قال المُنَاوي - رحمه الله - في «فيض القدير» (١/ ٥٥٢) (١١٣٦) في شرح الأثر برواية أبي وكيع الجراح بن مليح: [«اعتبروا» إرشاداً «الأرض بأسمائها» أي: تدبروها، من قولهم: عبرت الكتاب إذا تدبرته؛ فإذا وجدتم اسم بقعة من البقاع مكروهاً، فاستدلوا به على أن تلك البقعة مكروهة، فاعدلوا عنها إن أمكن، أو غيِّروا اسمها، فإن معاني الأسماء مرتبطة بها، مأخوذة منها، حتى كأنها منها اشتقت؛ ولذلك لما مر المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في مسيره بين جبلين، قال: ما اسمهما؟ فقيل: فاضح وفجر؛ فعدل عنهما.
ولما نزل الحسين - رضي الله عنه - بكربلاء، سأل عن اسمها؟ فقيل: كربلاء. فقال: كربٌ وَبَلاءٌ، فكان ما كان. ولما وقفت حليمة السعدية على عبد المطلب، قال: من أين أنتَ؟ قالت من بني سعد. قال: ما اسمك؟ قالت: حليمة. قال: بخٍ بخْ، سعدٌ، وحُلْم، خصلتان فيهما غِنى الدهر.
وليس هذا من الطِّيَرة المنهي عنها. ولما نزل الأشعث دير الجماجم، ونزل الحجَّاج دير قرة، قال: استقر الأمر بيدي، وتجمجم أمره، والله لأقتلنَّه. ونظيره في أسماء الآدميين ما في «الموطأ» عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال لرجل: ما اسمُكَ؟ قال: جمرة. قال: ابنُ مَنْ؟ قال: ابن شهاب. قال: ممَّن؟ قال: مِن الحُرَقَة. قال: أين مَسْكَنُكَ؟ قال: بِحَرَّة النَّار. قال: بأيها؟ قال: بذاتِ لَظَى. قال: أدرِكْ أهلَك فقد احترقوا. فكان كذلك.
«واعتبروا الصاحب بالصاحب» فإن الأرواح جنودٌ مجنَّدَة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، والتعارف هو: التشاكل المعنوي الموجِب لاتحاد الذوق الذي يدرك ذوق صاحبه، فذلك علة الائتلاف، كما أن التناكر ضدَّه، ولذلك قيل فيه:
ولا يصحب الإنسان إلا نظيره ... وإن لم يكونوا من قبيل ولا بلد =

<<  <   >  >>