ومنها: أنّ البارئ سبحانه مُريدٌ لجميع الكائنات، عندنا. وعندهم المعاصي ليست مُرادةً له. أمّا أنّه سبحانه خالقٌ لها، بدليل قوله:{خالق كل شئ}. وخالق الشيء مُريدٌ لوجوده؛ إِذ الخلق بدون الإِدارة محالٌ؛ لأنّ التخصيص بالأزمان والمقادير من لوازم الخلق؛ والتخصيص إِنما يكون بالإِدارة. والخصم يَمنع أنّ الله خالقٌ للمعاصي؛ ويخُص الآيةَ بما سوى المعاصي، كما سيأتي الكلامُ عليها، إِن شاء الله. وأيضًا، لو لم يكن مريدًا لها، ثمّ وقعَت بإِرادة غيره، لكان ذلك الغيرُ أقدرَ وأكملَ إِدارةً منه؛ فيكون أولى بالإِلهيّة؛ وهو محالٌ.
احتجّوا بوجوهٍ. أحدها: أنّه أَمَرَ الكافر بالإِيمان؛ والأمر يدلّ على الإِدارة. الثاني: الطاعةُ موافَقَةُ الإِدارةِ؛ فلو أرادَ اللهُ كُفرَ الكافرِ ومعصيةَ العاصي، لكان مطيعًا لله بذلك. الثالث: أنّ الرضا بقضائه تعالى واجبٌ؛ والكفر والمعصية لا يجوز الرضا بهما؛ فلا يكونان بقضا الله سبحانه.
والجواب عن الأوّل أنّه مبنيّ على أنّ الإِدارة شرطٌ في الأمر؛ وهو ممنوعٌ. بل لا تَلازمُ بين الأمر والإِدارة؛ فيَتَفاكّان. فيصحُّ أن يُريد ما لا يَأمر به، وأن يَأمر بما لا يُريد. وعن الثاني، بأنّ الطاعة موافَقَة الأمرِ، لا الإِدارة، لغةً وعقلًا وشرعًا. إِذ لو قال السيّدُ لعبده:"افعل! " وهو لا يريده أن يَفعل، فلَم يَفعَل، لجاز له لومُه وعقابُه، وإِن كان وافَقَ إِرادتَه. وعن الثالب، أنّ الواجب الرضا بالقضاء؛ والكفر والمعصية مَقتضِيّان؛ فهما أَثَران للقضاء، لا نفس القضاء.
فهذه جملةٌ من مقدّمات المسألة ومَبانيها، فيها النزاعُ.
[الكلام الساذج التقريبيّ في المسألة]
والكلام الساذج التقريبيّ في المسألة هو أنّ النزاع إِنما نشأ فيها لِمَا بيّنّا غيرَ موضعٍ، من أنّ غالب مسائل الخلاف إِنما وَقَعَ الخلافُ فيها من حيث كانت واسطةً بين الطرَفين؛ وكلّ واسطةٍ بين طرفين يتَّجِه النزاعُ فيها لضربها بالنسبة إِلى كلِّ من الطرفين. وهذه المسألة من ذلك.