للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها قوله تعالى: {إن الله بالغ أمره}. ومن هذا، أَخَذ الناسُ قولهم، "إِذا أراد اللهُ شيئًا بَلَغَه". وهذا خبرٌ لا يطابِق مخبره إِلاّ إِذا اضطَرّ اللهُ خلقَه إِلى ما يريد منهم إِذ لو كانوا مختارين، وبأفعالهم مستقلّين، لجاز أن يخالِفوا معلومَه ومرادَه؛ فلا يكون بالغًا أمرَه؛ وهو محالٌ، لوجوب صدقِ إِخباره. وهذه الآية مِثل قوله: {والله غالب على أمره}. وقد ثَبَتَ إِحداهما الأخرى، وأنّ الله بالغُ أمِره بالغلبة والاقتدار عليه.

ومنها قوله تعالى: {قد جعل الله لكل شيء قدرا}. وعمومها حجّة في الباب، سواءٌ قلنا: "القدْر": "الزمن الذي قُدِّر فيه وقوعُ الشيء"، أو "كمّيّة الشى ومقداره".

لأنّ الآية تتناول بعمومها أفعالَ العباد؛ فتكون أزمتها وكميّاتها بجعلِ الله تعالى لها قدْرًا على علمه بوجودها وتأثيره بإِيجادها. وقد تناقش هذه الدلالة.

[ومن سورة الملك]

قوله تعالى: {وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق}. وجه دلالتها أنّه سبحانه وتعالى دَلّ على علمِه السرّ والجهر بخلقِه لهما؛ لأنّ العلم بالمخلوق مِن لوازم خلقِه. فدلّ سبحانه بوجود الملزوم، وهو الخلق، على وجودِ اللازم، وهو العلم. فأمّا ما سبق، من أنّ العبد لو خَلَق أفعالَ نفسه، لكان عالمًا، فهو استدلالٌ بانتفاء اللازم، وهو العلم، على انتفاء الملزوم، وهو الخلق. إِذا عُرف هذا، فالسرّ والجهر والقول من أفعال القلوب؛ وقد أثبت اللهُ سبحانه أنّه خالقها. وإِذا عُرف هذا، فالسرّ والجهر والقول من أفعال القلوب؛ وقد أثبت اللهُ سبحانه أنّه خالقها. وإِذا ثبت خلقُه لأفعال القلوب، أو بعضِها، ثَبَت خلقُه لأفعال القلوب، أو بعضِها، ثَبَت خلقُه لسائر الأفعال؛ إِذ لا فرق.

فأمّا قوله: {من خلق}، فعند الزمخشريّ، هي منصوبةٌ "بيعَلَم". وعند غيره مرفوعةٌ على أنّها فاعل {يعلم}؛ وهو أجود؛ إِذ التقدير "ألا يعلم الخالقُ ما خَلَق! " ولو كان كما قاله الزمخشريّ، لقال: "أَلا يَعلَمُ مَا خَلَقَ"؛ لأنّ المستدَل على خلقِه، وهو

<<  <   >  >>