للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو مِثلُ قوله: {فزادهم الله مرضا}، {فزادتهم رجسا إلى رجسهم}. وإِذا جاز أن يَتَسِّبب إِلى زيادة الضلالة، جاز أن يَفعل. إِذ لا فرق بين فاعل القبيح والمتسِّبب إِليه في استحقاق أصلحِ القُبحِ. وإِذا جاز أن يفعل زيادةَ الضلالِ، جاز أن يفعل أصل الضلال.

ومنها قوله سبحانه: {واتقوا الله وأسمعوا والله لا يهدى القوم الفاسقين}. والاستدلال بها كما سبق.

ومنها قوله سبحانه، حكايةً عن المسيح: {إن تعذبهم فإنهم عبادك}. جعل السببَ المصحِّح للتعذيب هو العبوديّة، ولم يعلِّل بمعصيةٍ ولا غيرها. فدَلّ ذلك على مذهب أهل الحقّ، مِن أن الله إِن يَرحم العاصي ويُعذِّب الطائعَ، بعلّةِ العبوديّة وكونِه مالكًا لا غير، فإِن انضَمّ إِلى ذلك صفُ طاعةٍ أو معصيةٍ، كان مؤكدًا، أو علّةً ثانيةً. وإِنّ لله سبحانه أن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

[سورة الأنعام]

فمنها قوله سبحانه: {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون}. وهو نصٌّ صريحٌ في أن الله سبحانه [ما] إِن يلبس على العبد أمرَه حتى يُضلّه. وقد وقع هذا تحقيقًا في المسيح؛ فإِنّه يقال إِنّ الروح الذي أُرسل إِلى مريم كان مَلَكًا؛ فحَمَلته؛ ثمّ ظهر رجلًا. فهذا ملَكٌ قد جعله اللهُ رجلًا. ويَدلّ على ذلك أخلاقُه وأفعاله؛ فإِنها كانت كأخلاق الملائكة وأفعالهم. وكقوله: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا}، الآية، فيما بعد؛ وقوله: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبئ إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته}، إِلى قوله: {ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض}. فهذا صريحٌ

<<  <   >  >>