للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها قوله تعالى: {ومن يرد الله فتنته فلن الملك له من الله شيئًا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم}. ومن المعلوم أنّ إِرادة الله سبحانه فتنتَهم وعدمَ تطهيرِ قلوبهم قبل وجودهم. فلا يَصحّ للهصم أن يقول: "إِنهم لَمَّا كَفَروا، أ {اد بهم ذلك عقوبةً لهم". فإِن قيل: "أراده جاريًا على كفرهم عقوبةً"، قلنا: فهذا هو المراد.

وتأوّلها الزمخشريّ على معنى "مِن يُرِد اللهُ تَرْكَه مفتونًا، فلن تستطيع له مِن لُطفِ اللهِ شيئًا يَرُدّ به عن فتنتِه؛ ولم يُرِد تطهيرَ قلوبهم لعلمِه أنّ ذلك لا يَنفع". قلتُ: أمّا الأوّل، فهو على بُعدِه عن الظاهر، له نوع اتّجاهٍ. وأمّا الثانى، فهو كقولهم في المثل، "اضرِبْه على ذنبِه عشرةً، وعلى عُذرِه عشرين! " لأنّ الله سبحانه لو قَدّر أنّه أراد أن يُطهِّر قلوبهم من الكفر والشكّ، فإِمّا أن يكون ذلك مع إِرادةِ أنّه يَنفَع فيهم، أو لا. والأوّل مستلزِمٌ للنفع؛ أنّه سبحانه فعّالٌ لما يريد؛ وإِلاّ لزم نفوذُ إِرادتهم وإِرادة الشيطان فيهم، دون إِرادة البارئ سبحانه. والثاني يوجب الجمعَ بين الضدّين. وهو أنّه أراد التطهيرَ، ولم يُرِده؛ وهو محالٌ. فتبيَّن أنّ الآية قاطعةٌ في مذهب أهل الحقّ.

ومنها قوله تعالى في اليهود والنصارى: {ومن يتولهم منكم فإِنه منهم إِن الله لا يهدى القوم الظالمين}. فنَسَب نفىَ الهدى إِليه، فدَلّ على أنّه هو الفاعل له ولضدّه. ولا تأثير لترتُّب نفي الهداية لهم على ظلمِهم لنا سبق. ولعّله يريد الظالمين في علمِه؛ فيكون نفيُ الهدايةِ ابتداءَ الأمرِ، بناءً على ظلمٍ أو غيره.

ومنها قوله تعالى: {فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبوه}، إِلى قوله: {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء}. ونظائرها في القرآن، مِن اختصاصه سبحانه بفضلِه مَن يشاء. فدلّ على أنّه لا علّة للهداية والضلال إِلاّ مشيئة الله وقدرته.

ومنها قوله سبحانه: {وليزيدن كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا}.

<<  <   >  >>