للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المحذورُ منها الهلاكُ. وهو قد صرَّح بأنّه واجبٌ موسِّعٌ، لا يجب إِلاّ في آخر العمرِ، أو فرضُ كفايةٍ، يسقط عن البعض بفعلِ البعض. وقال الفقهاءُ الذين أوجَبوا النكاحَ: "يخرج عن عُهدة الواجب بالوطء في مكاحٍ مرّةً واحدةً".

قلتُ: فيظهر لي، والله أعلم، أنّ حكمة النكاحِ هو ارتداعُ المكلَّفِ بعدَه عن الزنا؛ لأنّه بالنكاح مرّةً يصير محصنًا. وقد عُلِم أنّ حُكمَ الشريعةِ في المحصَن؛ إِذا زنى، الرجمُ. فإذا زنى بعدَ الإِحصانِ، فهو يَتوقع أن تَقُومَ عليه البيّنةُ؛ أو يُحدِث اللهُ فيه داعيَ الاعترافِ، كما اعتَرف ما عزٌ والغامديّة، فرُجِما؛ أو يبقى غير نفسِ الأمرِ مباحَ الدمِ، غير محرَّمٍ شرعًا، بحيث لو قتَله قاتلٌ، لم يَستحق في الآخرة عن دمِه عِوَضًا. وهذه محذوراتٌ يأباها العاقلٌ يأباها العاقلُ المؤمِن لنفسه؛ فتكون رادعًا له.

وأمّا قوله، "ولو لم يختصَ الإِنسانُ بزوجتِه، لم يَثِق بأنّ الولد له؛ فيتقاعد عن تربيِته؛ فيضيع"؛ فهذا قد عَلَّل به العلماءُ. وعليه إِشكالٌ؛ وهو أنهم في الجاهليّة كان لهم نكاحُ الراياتِ. يَدخُل الجماعةُ على المرأة؛ كلَ منهم يَركز رايتَه على الباب. حتى إِذا فرغ، خرَج، ودَخَل غيرُه كذلك. ثمّ، إِن اختلّ له حُكمٌ. فنقول: لو قَدَّرا أنّ الشرع قرّر ذلك، لجاز قطعًا، مع عدم الاختصاص المذكور. وقد استقصيتُ بالجواب عنه هذا في الفوائد.

هذا هو الكلارم على مقدّمات القاعدةِ. فلنتكلم على الفروع.

[الكلام على فروع قاعدته في الأنكحة]

أمّا كون التشاغل بالنكاح، فيحصل من الفاعل بنوافل العبادات، فقد خالف فيه الشافعيُّ بناءً على أنّ الله تعالى مَدَحَ يحيى بن زكريّا بأنّه حصورٌ لا يأتي النساءَ. وما كان صفةَ مدحٍ، لا يكون ضدُّه أفضلَ. ولأنّ ذلك حظٌ محضٌ للنفس؛ والله تعالى إِنما

<<  <   >  >>