فصار حاصل الجملة المطلوبة أنّ الله سبحانه خَلَق الإِنسانَ وخَلَق الشرورَ فيه، إِمَا بعينها، أو بخلقِ جملتِه المقتضيةِ لها. إِلاّ قومَا سَبقت لهم العنايةُ؛ فلم يخلق فيهم الشرَّ، وأبدَلهم منه خصالَ الخير المذكورة، مِن صلاةٍ وزكاةٍ وأمانةٍ وخوفٍ من الله سبحانه، وغير ذلك.
[سورة نوح]
فمنها قوله تعالى:{ولا تزد الظالمين إلا ضلالا}. وإِذا زاد الظالمين ضلالًا، جاز أن يبتدئه فيهم، لمِا سبق تقريره. والخصم يَتَأوّل هذا ونحوَه على معنى "امنَعَ ألطافَك عنهم فلا يهتدون، أو فيستمّرون على ضلالهم". ومُقتضَى اللفظِ وسائر النصوص تأباه.
[سورة الجن]
فمنها قولهم، {وأنا لا ندرى أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا}. فدلّ على أنّه سبحانه يريد بعباده الشرَّ. وعلى هذا سؤالان: أحدهما: أنّه محِكي عن الجنّ. الثانى: أنهم لم يُسمّوا مريدَ الشرِّ؛ حيث قالوا:{أشر أريد بمن في الأرض}؛ ولم يقولوا:{أراد بهم ربهم}، كما قالوا في الرشد. فدلّ على أنّ المريد مختلِفٌ. فجواب الأوّل أنّه، وإِن كان محكيًّا عن الجنّ، إِلاّ إِنّ الله حكاه عنهم في معرِض التقرير عليه؛ بدليل قوله للنبيّ عليه السلام:{قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا}؛ ثمّ حَكَى أقوالهم إِلى آخرها. فكانت حجّة بتقرير الله عليها وعدم إِنكارها. وجواب الثاني أنهم حذفوا فاعلَ الشرِّ تأدبًا؛ كقول إِبراهيم:{الذي خلقنى فهو يهدين}؛ ثمّ قال:{وإذا مرضت}، ولم يقل:"أمرَضَني"، تأدّبًا. كذا ها هنا.