للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِلى معنى الارتياض، وقد وُجِد سببُه. وعندنا تجبُ على مَن مَلَكَ قُوتَ يومِ العيد وليلته، وفَضُلَ بعدَه ما يؤدَّى؛ لأنّ ذلك محتمِلٌ لهذه المواساة.

ومِن قواعده قاعدةُ الصيام

وحاصل ما قرَّرها به أنّ الصيام لابدّ وأن يكون إِيجابُه لمصلحةٍ. إِذ لا يجوز أن يكلَّفنا الشرعُ بفعلٍ لا مصلحة فيه. ثمّ المصلحة ليست نفسَ الصيام؛ لأنّه مفسَدةٌ في نفسه؛ إِذ هو ماتناعٌ عن المباحات. فتعيَّن أنّه متضمِّنٌ للمصلحة، مشتمِلٌ عليها. وتلك المصلحة إِنما هي صيانة النفسِ المفضيةِ إِلى حفظِت وبقائها، المقضى إِلى دوامِ توحيد الله ومعرفته المقصودَين له سبحانه، لإِقامة رّسمِ عبادِته، ولدفع العقاب عن المكلَّف في الآخرة؛ لأنّ النفسَ، لما طُبعَت عليه من الشهوات، لو خَلَت من روابطِ يصونها عن الانهماك فيها، استَغرَقَت فيها حتى هَلكَت؛ كما هو مشاهدٌ من أحوال العامّةِ. فيفوت بذلك نقاؤُها؛ فيفوت التوحيدُ والمعرفةُ المطلوبان؛ ويَقَعُ المكلَّف في ورطة العقابِ. ثمّ قال: "لا يقال: "إِنّ مصلحةَ الصومِ التوسُّلُ به إِلى الثواب في الآخرة"؛ لمَا سَبَقَ (يعنى في قاعدة الزكاة) مِن أنّ جَلبَ الفعِ غيرُ واجبٍ؛ فهو إِنما يكون بفعلٍ يُخيَّر فيه ترغيبًا. وإِنما الواجب دفعُ الضررِ؛ وهو إِنما يكونُ بما أُلزِمَه المكلَّفُ، ليدفع بفعله العقابَ عن نفسه".

هذا حاصلُ ما أجاب به، وقرَّر به قاعدةَ الصيام. وهو تصرُّفٌ عقليُّ نازِعٌ إِلى التحسين والتقبيح، كما سنبينّه.

[فروع قاعدته في الصيام]

ثمّ بَنى على ذلك أنّ من صام رمضان، بمطلق النيّةِ، أو بنيّةٍ من الليل، أو بنيّة مِن النهار، صحّ صومُه؛ فقد حَصَلَت مصلحةُ الصوم. قال: "وهذا يقتضي أن لا تُشتَرطُ النيّةُ للصوم أصلًا. لكن إِنما اشتَرَطنا أصلَ النيّة (يعني كونَ الصوم عبادةً) تمييزًا له من العادات ونحوها".

<<  <   >  >>