للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الحديث: "ما نَقَصَت صدقةٌ من مالٍ، بل تزداد". كما جاء فيه: "ما خالَطَت الصدقةُ مالًا إِلاّ أهلَكَته"؛ يعني خالَطَته بمنعِها، فيصير حقُّ الفقراءِ مختلِطًا بمالِ مَن وَجَبَت عليه الزكاةُ.

وقوله، "ليس النفعُ تحصيلَ الثوابِ؛ لأنّ تحصيلَه غير واجبٍ"، ممنوعٌ. بل هو واجبٌ عقلًا. والنفع والمصلحة تارةً يكونان بجلب خيرِ، وتارةً بدفع شرًّ. بدليل قوله عليه السلام: "ما من داعٍ يدعو، إِلاّ استُجيبَ له؛ فأُعطِيَ ما قال، أو ادُّخِر له في الآخرة، أو دُفِعَ عنه الشرّ مِثلُه". فجَعَلَ دَفعَ الشرِّ عِوضًا عن الخير المطلوب.

وبان بهذا أنّ قوله، "حصول النفعِ لا يَجبُر وقوعَ الضررِ" غيرُ صحيحِ. وإِذا نُوزِع في مقدّمات قاعدتِه، لم تَثبُت، ولا فروعُها.

وقولُه في الفرع الثاني: "إِنّ العقاب ممتنِعٌ في حقّ مَن مات، وعليه زكاةُ ظاهرةٌ"، غير صحيحٍ.

قلتُ: وممّا يتّجهُ تفريعُه على المأخذين تعلُّق الزكاةِ بالذمّةِ أو العينِ. إِن غلَّبنا فيها معنى العبادةِ، تعلَّقت بالذمّة، كالصلاة. وإِن غلَّبنا معنى المواساةِ، تعلَّقَت بالمال؛ لأنّه محلُّها.

ومنها إِذا تلفَ المالُ بعدَ الوجوب، وقبلَ إِمكان الأداءِ. إِن غُلب معنى الارتياض، سَقَطَت لزوال سببِه؛ كما لو مات المزَكِّي. وإِن غُلِّبت المواساةُ، لم تَسقُط، وانتّقّلّت عن المال بعد تَلَفِه إِلى الذمّة؛ لوجوبها قبلَ ذلك. بخلاف سقوطها عن المديونِ، وفى مال الضمار؛ لأنّ الوجوبَ هناك لم يَسبق.

فأمّا ضمّ أحدِ النقدّين إِلى الآخر في تكميل النِصاب، وإِخراجه القيمة في الزكاة، وجواز إِخراجها عن المصر، فيستوي فيهنّ المأخذان؛ لقيام سبب الارتياض والمواساة فيهنّ. ولهذا كان مذهب أصحابنا في الأخريين مرجوحًا.

ومن ذلك زكاة الفطر، يُعتبَر لوجوبها النصابُ الزكويّ، عنده. فلا تجب بدونه، نظرًا

<<  <   >  >>