للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِن عتقٍ أو غيره، فوقوع ذلك السبب يبقتضى وقوعَ أثره؛ وهو زوال مانع العبد من استعمال مالكيّةٍ في نفسه من تلك الجهة. ولأنّه يقتضي زوالَ المانع من جهة الشريك، إِذ لا مقتضى لذلك عقلًا ولا شرعًا، فتعيَّنَت التجزئةُ.

[الكلام على قاعدته في الماليّة وأهليّة الأملاك]

قلتُ: قد نبّهتُ على اضطراب كلامه في هذه القاعدة من حيث اللفظ، إِن لم يكن من حيث المعنى. وما أَوقَعه في ذلك [إِلاّ] الإِغراق في التناسُبِ العقليّ. وذلك لأنّه رأى المالكيّةَ صفةً شريفةً. والتكليف جاء به كمالٌ؛ فتناسَب إِضافتها إِليه، على ما قرّرَه. والتحقيق في الباب أن يقال: إِنّ الله سبحانه لَمَّا خَلَق العبادَ، لمِا أراد منهم من العبادةِ والتكليفِ، وجعَلهم محتاجين إِلى ما تقوم به أبدانهم، وتبقى به نفوسُهم، خَلَق لهم أشياءً، برسمِ ذلك، متعاًا لهم- كما امتنّ اللهُ سبحانه عليهم بذلك في قوله: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا}، {وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه} - ثمّ ابتلاءً، بتَمكُّن كلّ منهم من الانتفاعِ بجزسٍ ممَّا خَلَقَ له من المتاع، إِلاّ بضربٍ من الاختصاص. وإِلاّ، كان انتفاعه به بدون غيره ترجيحًا من غير مرجِّحٍ. ورَبَطَ الشرعُ ذلك الاختصاصَ بضفاتٍ شريفةٍ مناسِبةٍ. وهي، بالاستقراسِ، الحياةُ والإِنسانيّةُ والحرّيّةُ، وهي عدم الولاية عليه لغيره، ـ بحيث يختصّ بمنافعه دونه. فالمُلك دائرٌ مع هذه الصفات وجودًا وعدمًا. والحكمة في إِثبات المُلكِ إِقامةُ الأبدان إِلى أوانِ التكليف وانقطاعه. فيشترك في ذلك المكلَّفُ وغيره، وليدًا، أو فطيمًا، أو حملًا؛ لأنهم جميعًا يحتاجون إِلى إقامة أبدانهم. والجماد والميّت لا يَملكان، لانتفاء الحياة التي هي شرطُ الإِنسانيّةِ والاتصافِ بالحريّيّة. فانتفت فيه الصفاتُ الثلاث. والبهيمة لا تَملك، لانتفاء الإِنسانيّةِ. والعبد لا يَملك، لانتفاء الحرّيّة. والتكليف الذي ذَكَرّه إِنما هو شرطُ الاستقلالِ بالتصرُّف، لا لاستحقاق المالكيّة.

بقى الكلام في الجنين قبل أن يُنفَخ فيه الروحُ. فيقال: إِن قلتم: "يملِك"، فالحياة منتفيةٌ فيه؛ وقد شرطتموها للمُلك. وإِن قلتم: "لا يملِك"، فبتقدير أن يموت أبوه قبل

<<  <   >  >>