للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال في الرسالة:

"ولا يَصِحُّ عَمَلُ الخيرِ إِلاّ بمعونة الله. ولذلك قال لمحمّدٍ صلّى الله عليه وسلم: {ولوا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا}؛ وقال يوسف: {وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن}. فقد بيَّن وأمر ونهى، وجعل للعبد السبيل إلى عبادته، وأعانه بكلّ وجهٍ. ولو كان عملُ العبدِ يَقَعُ قسرًا، لم يَصِحّ ذلك".

هذا آخِر ما حكاه من رسالة الحَسَن.

[الجواب على الرسالة]

قلتُ: وهذه الرسالة، وإِن كان الحَسَنُ قد رُمِى بالقدَر مرّةً، وهي تُشبِه فصاحته وبيانَه، إِلاّ أنّ المشهورَ عنه إِبطالُ القدرِ، والطعنُ على أهلِه، كما بَيّنّا أوّلًا. فإِن ثَبَتت هذه عنه، فلعلّه قالها أوّلًا، حين كان يقول بالقدر؛ ثمّ عاد بآخِره عن ذلك. وإِلاّ، فهي منحولة عليه. ويُشبه أنها لواصل بن عطاءٍ، أو عمرو بن عُبيدٍ، أو مَعبدٍ، أو غَيلان، ونحوهم من أركان الاعتزال.

ولو صَحَّ أنّ الحَسًنَ خاطَب بهذه عبد الملك بن مروان، لفَعَلَ به كما فَعَلَ هشامٌ بغيلان: قَطَعَ يَدَيه ورِجلَيه، لغُلُوه في القدر، ودُعاءِ الناس إِليه. والحَسَن كان أشهر في الناس من عَلَمٍ؛ فلو صَحَّت هذه عنه، لما سَكَتَ عنه التابعونأن يعاتبوه عليها، أو يُنكِرون عليه ويُعارِضون ما قال.

ولكنّ هذه مِن كلامِ رجلٍ خاملٍ مِن القدريّة، أو مَن ليست شهرتُه كشهرةٍ الحَسَن. فأَعرَضَ الناسُ، فيما عَلمنا، عن معارَضَتها لأمرٍ ما، مع أنّ الرسالة هائلةٌ في بابها، والجواب عنه مُتَعيَنٌ؛ إِذ قد تَضَمَّنَت كلَّ حججِ القدرية في المسألة، أو جُلَّها. وهي راجعةٌ إِلى شُبَهِهم السابقة؛ لكن تحتاج إِلى جوابٍ خاص بها يُطابِقُها، ويَتَضَّمن جوابُها تقرير قواعدَ يُحتاج إِليها في الباب، وتكون تذكِرةً لأولى الألبابِ. فنقول، وبالله التوفيق:

<<  <   >  >>