للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سورة بني إِسرائيل، على صالحيهم السلام

فمنها قوله تعالى، {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها}. كَثُر النزاعُ في هذه الآية. فقرأ بعضُ القراءِ "أَمَّرَ"، بالتشديد من الإِمرَة والتأمير، وهي الولاية؛ وَليناهم أمرَها، ففسقوا". لأنّ الولاية سببٌ قوَّى الفسقَ؛ لأجل القدرةِ التي تُصِّح مقتضى الشهوات.

وقرأ بعضُهم "آمَرْنا"، بالمدّ والتخفيف، و " آمَرْنا"، بغير مَدّ، بمعنى "كثَّرنا أهلَها، ففسقوا". والكثرة، مع الطِباع الرديئة، سببٌ للفسق أيضًا. ولذلك كانت الإِمامة واجبةً على الأمّة للصلاح، والعدلِ بين الناس، ودفعِ الظلم. رَوى عبد الرزّاق، عن مَعْمَرٍ، عن قتادة، قال: "أَمَرنا مُترِفيها: أكثر".

وقرأ بعضُهم "أَمَرنا"، مِن الأمر الذي هو ضدّ النهىِ. وحقيقة اللفظ، "قلنا لهم: افسُقوُا". إِّلاّ إِنها غير مرادةٍ قطعًا؛ لقوله تعالى: {إن الله لا يأمر بالفحشاء}. فلابد من حملِها على المجاز فقال الزمخشريّ: "معناه إِنّ الله أنعمَ عليهم ليَشكُروا؛ فجعلوا النعمةَ سببَ البطرِ". وقال غيره: "أَمَرناهم بالطاعة، فخالفوا؛ ففسقوا بالمخالَفة؛ فحقَّ عليهم القولُ بذلك".

وهي على هذين الوجهين حجّةٌ في الباب، تقريرها ما سبق، مِن أنّ فِسقَهم كان معلومًا لله. فأمرُهم بالطاعة، مع العِلمِ لمخالفتهم، اضطرارٌ لهم إِلى الفسق بجهة التسبُّب. ولنا أن نحمل الأمرَ هنا على الأمر الكونيّ؛ أي أمَرناهم بسان التكوين، ففسقوا، لبتلُغ عليهم حجّتٌنا، وتَنفُذ فيهم مشيئتنُا، كما سبق في قوله تعالى: {ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين}. وهذا أوضح التأويلات على رأىِ مثبِتى القدر.

<<  <   >  >>