للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها قوله سبحانه: {قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين}. قلتُ: هذه أقوى حجّةٍ في الباب. لأنّ الله سبحانه جمَع فيها بين طرفي المسألةِ. فأثبَتَ الحجّةَ البالغة له على الخلقِ، باعتبار تَصرُّفِه التكليفىّ فيهم. فكأنّه قال: "لي الحجّة البالغة عليكم؛ وأنا قَدَّرتُ الضلالَ عليكم. وغاية ما في الباب أنّكم لا تَفهَمون حقيقةَ هذا. لكنّ تَصرُّفى فيكم لا يَتَوقَّف على فهمِكم؛ لأني فعّالٌ لما أُريد، ولست بظلامٍ للعبيد".

ونظير هذه الآية في إِثبات الصفات ونفي التشبيه قوله تعالى: {ليس كمثله شئ}، فهذا تنزيهٌ، {وهو السميع البصير}، وهذا إِثباتٌ. وغاية ما في الباب أنّه لا يُدرَك سميعٌ بصيرٌ إِلاّ جسمٌ؛ لكنّ الله سبحانه في ذاته وصفاته بخلاف المساهَدات. وكذلك في أفعاله. والله أعلم.

ومنها قوله تعالى: {قل إننى هدانى ربى إلى صراط مستقيم}، الآية. نَسَبَ الهدايةَ إِليه. فإِن قيل. "فإِنها واجبةٌ على الله؛ بخلاف الإِضلال؛ فإِنّه قبيحٌ"، قلنا: على تقير تسليم ذلك، فإِنّ تقدير أسباب الضلال قبيحٌ أيضًا؛ وقد سَلَّمتم أنّه يَفعَلها.

[سورة الأعراف]

فمنها قوله تعالى، حكايةً عن إِبليس، قال: {قال فبما أغويتنى}. فنَسَب الإِغواءَ إِلى اللهِ؛ وأقَّره عليه مع قوله له: {قال ما منعك ألا تسجد إذا أمرتك قال أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طرين}. فإِبليس عَلِم أنّه عوقِب بكَسبِه، وفَهِم أنّ الله قَدِّر ذلك عليه وأقَّره اللهُ على ذلك، فلم يُنكِره عليه. ثّم الإِغواء المنسوب إِلى الله سبحانه إِمّا أن يكون بخلقِ الغوايةِ في القلب، فيحصل المقصود؛ أو بالتسبُّبِ إِليها، وهو قبيحٌ عندكم، يُنافي اللطفَ ورعايةَ الأصلحِ الواجب عليه. ولا يَصِحّ حملُ "أَغْوَيْتّنِي" على معنى

<<  <   >  >>