"أَصَبتَني غاويًا"، من "أحببنُ الرجلَ وأبخلتُه"؛ لأنّه احتمالٌ مرجوحٌ جدًا، ظاهرُ الفسادِ؛ لأنّ إِبليس أراد المقابَلةَ؛ أي "اجْعَلْ إِنظارَك لي في مقابِل إِغوائك لي" ولو كان الإِغواءُ بالمعنى المذكور، لما صَحَّ ذلك؛ لأنّه كان يقال له:"أنا ما أغويتُك لأخلف عليك إِغواءَك بإِنظارِك؛ بل أنت أغويتَ نفسَك. فماذا أخلف عليك؟ بل أَهلِكُك، وأُرِيح الناسَ منك".
ومنها قوله تعالى:{فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة}. ومعناه حَقت عليهم الضلالةُ بقَدَر اللهِ؛ كما قال:{ولكن حق القول منى لأملأن جهنم}. وأمّا تعليله ذلك بقوله:{إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله}، فتلك العلّة مع معلولها مَقدورةٌ مقضيّةٌ لله. فهو الذي قَدَّر الضلالَة جاريةً على سببِها؛ فهما مقدوران هل؛ كما أنّه خَلَقَ سائرَ المضارِّ والمنافعِ مع أسبابها.
ومنها قوله سبحانه:{وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كان لنهتدى لولا أن هدانا الله}. وإِذا كانت الهدائةُ مع فِعلِه وإِرادته سبحانه وجودًا وعدمًا، فكذلك الضلالة، كما سبق.
ومنها قوله شعيبٍ لقومه:{وما يكون لنا أن نعود فيها}، يعني لملّتهِم، {إلا أن يشاء الله ربنا}؛ فدَلَّ على أنّ الرِدّة عن الإِيمان بمشيئة الله مع قدرته، لما سبق مِن [أنّ] الإِرادة لا تِستقِلّ بالإِيجاد.
ومنها قوله تعالى:{وما أرسلنا في قرية من نبى إلأا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء}، إِلى قوله:{فأهذناهم بغتة وهم لا يشعرون}. فإِنّ هذا، وما سبق في الأنعام، مِن قوله: